«سيدخل الآن عكرمة بن أبي جهل مسلما، فإياكم أن تذكروا أباه بسوء أمامه»، درس نبوي عظيم يخبرنا بأن ثلث الحكمة هي مداراة مشاعر الناس واحترامهم واحترام كراماتهم، ووجوب مراعاتنا ايضا لأحاسيسهم، لذلك نحاول نحن بقدر الإمكان أن نداري ونحترم ونراعي مشاعر الآخرين كي لا نجرحهم أو بكلامنا نؤذيهم ونؤلمهم، ونهتم لأثر الكلمة عليهم، لذلك دائما ما نحاول أن ننتقي مفرداتنا بدقة قبل أن نتلفظ بها أمامهم، تقديرا لهم ولشخصهم، فلا نؤذي ولا نؤذى، لا نَجرح ولا نُجرح، لا نهين ولا نهان.
كثيرة هي الكلمات التي تثير وتهيج الأحاسيس والمشاعر وتؤذي النفوس عند سماعها، لذلك يعد احترام مشاعر الآخرين من الخلق العظيم، ويفترض على كل شخص منا أن يتحلى به، فلطف الكلمات يخلق المودة ويبني جسرا من المحبة والاحترام والتقدير، والمتتبع لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيعلم أن كلام المرء من عمله، وأنه محسوب عليه أو له، فمن المفترض ألا نخوض في لغو الكلام وساقطه من همز ولمز وغمز واستهانة وتجريح.
ولكن كثيرا ما نفاجأ بأن هناك فئة من أولئك الذين لا يهنأ لهم بال إلا بخدش عواطف الغير وتجريح مشاعرهم والاستهانة بأحاسيسهم، ويرمون كلاما لا يخلو من المفردات اللاذعة عليهم، وقول كلام بذيء مستهزئ بهم للأسف.
فالكلمات المهينة الجارحة هي تعنيف لفظي يؤدي إلى تحطيم شخصية الآخر وتمزق مشاعره، وهؤلاء يتلذذون بذلك غير مراعين لمشاعر غيرهم أبدا ولا مبالين لأحاسيسهم! فشخصية الانسان لها حدود وحقوق يجب مراعاتها، وعدم تعديها والعبث بها.
فجراحات الجسم يظهر أثرها فورا وبشكل واضح عند خروج الدم، أو حدوث كسر، أو كدمات تغير لون الجسم، لكن جراح المشاعر تكون في أعماق النفس، تختمر تفاعلاتها وتتأجج في قلب الإنسان، بعيدا عن المشاهدة والعيان، لذلك تكون هي أشد إيلاما، وأقسى وقعا، ونتائجها أسوأ وأخطر، هذا وبخلاف أنها قد تتحول إلى عقد متراكمة أحيانا، لذلك قيل: جرح القلوب لا يستهان به، جرح القلب لا يغتفر.
والمحترم فعلا هو من يحترم نفسه أولا ويحترم ويراعي مشاعر غيره ثانيا ومشاعر كل من يتعامل معهم، يداريهم، ويقدرهم، لا ان يستحقرهم ويستهين بهم، يحافظ على مشاعرهم، لا أن يخدش أحاسيسهم ويجرحهم!
فتلك الفئة من الناس من الرجاحة منك أن تتجنبهم قدر المستطاع وتترفع عنهم، وألا تهتم بهم ولا تلتفت إليهم، ولا لأقاويلهم ووقاحة أخلاقهم تجاهك أو تجاه غيرك، فغالبا ما يبغون من وراء تلك الكلمات إحباطك وتحطيمك وكسرك، كي يشعروك بالنقص لتفقد الثقة بنفسك، وما هم إلا اشخاص عقدة الدونية والعجز النفسي متغلغلة بهم، لذلك تجدها أثرت كثيرا على سلوكياتهم وتصرفاتهم وكلماتهم، ما يشعرهم ذلك بالانفعال الدائم والضيق والتوتر، لذلك غالبا ما يعوضون نقصهم بك وبغيرك.
كما تأكد أيضا أنهم اشخاص لا يساوون ذرة من غبار، ولمن الأفضل أن تكرم نفسك بالبعد عنهم، ولا تتعب أبدا معهم، لأنك لن تجني في المقابل سوى الرماد المتطاير منهم.