غالبنا يقول آسف خانني التعبير، وإن لم نقلها قلنا ما يشبهها، وقلما تجد أحدا في هذا الفضاء الواسع إلا ويخونه التعبير في أحايين كثيرة، فالمرء عرضة للخطأ، والسديد من صوب خطأه واستكان وارعوى، ويفسر اللغويون التعبير بأنه أفكار ومشاعر كامنة داخل الإنسان يكتبها بطريقة منظمة ومنطقية ومصحوبة بالأدلة والبراهين التي تؤيد ما يريد أن يقوله، أما عبارة آسف خانني التعبير فهي مقولة ليست بقديمة وإنما مستحدثة وجديدة نوع ما، ولا علاقة لها بأمثال العرب لا من قريب ولا من بعيد، وإنما ابتكرها المثقفون العرب كعذر لحديث فهم لغير معناه المقصود وانحرف عن مساره الطبيعي، وقد أصبحت هذه العبارة اليوم دارجة بين الناس؛ لأنها عبارة جميلة ومهذبة نسمعها كثيرا من المثقفين وشبه المثقفين والمتثاقفين، بلباقة وأدب حتى لا يفهم الكلام فهما خاطئا، ويحمل على غير معناه، وهو أسف يقبل إن كان عن حسن نية، ولكني يا سادة سأفاجئكم القول ان هناك من يخونه التعبير وهو أمر مقبول، وهناك أيضا على الطرف الآخر من خان التعبير ذاته، فشطح ونطح وتحذلق وأفرغ ما في صدره من غل، وما في نفسه من حقد ثم ختم حديثه بالقول خانني التعبير لم أكن قاصدا! ويحاول التبرير بعد أن كشف راسه وفضح نفسه، لذلك فنحن لا نصدق كل من يقول هذه العبارة، ولنكن على حذر منها، والحق ان التعبير بريء من هذا الصنف براءة الذئب من دم ابن يعقوب، والخطأ الكبير أن تكون هذه النوعية أمام جمع من الناس فيطلق للسانه العنان تحت غطاء خانني التعبير، ويقول ما يحلو له ويصفق له من هو على شاكلته، ويقلده الآخر والآخر، ولله در القائل:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
نحن نعلم تمام العلم أنه لا يستوي خيانة التعبير والكلام غير المقبول فهذا شأن وهذا شأن آخر، ولكن خانني التعبير أصبحت ذريعة وسببا لكل من يريد ان يخالف ما هو مسلم به، ويبدو مخالفا للناس ويسير في غيه مخالفا الرشد، وفي نهاية المطاف يكون نصيبه من ذلك قول العرب: «على نفسها جنت براقش»
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلمودمتم سالمين.