بعد خطاب سمو ولي العهد التاريخي في 22 يونيو 2022 الذي أكد فيه على الالتزام بالدستور وعلى متانة العلاقة بين الشعب والأسرة الحاكمة وأقر فيه حل مجلس الأمة 2020 بعد مطالبة أعضاء المجلس برحيل الرئيسين (رئيس الوزراء ورئيس المجلس) ووعد بإجراء انتخابات نزيهة، لن تتدخل فيها الحكومة ولن تتدخل بانتخابات رئاسة المجلس، وفعلا أجريت انتخابات مجلس الأمة 2022، والكل شهد لها بالنزاهة ولم تتدخل الحكومة فيها، وأكد سمو ولي العهد مرة أخرى في جلسة افتتاح مجلس الأمة على التعاون وترسيخ الديموقراطية وتجاوز مرحلة التأزيم السابقة، وصدقت النوايا الطيبة من السلطة، فلم تتدخل بالانتخابات الداخلية للمجلس، وتم تكليف رئيس مجلس وزراء مشهود له بالعمل والانجاز وهو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، وسيطرت روح التعاون والانجاز بين المجلس والحكومة، وبدأ المواطنون يشعرون بتحسن وإن كان بطيئا في تحريك عجلة التنمية تمثل في إقصاء الكثير من القيادات في مؤسسات الدولة الذين كانوا جزءا من تعطيل حركة التنمية وإقرار مشاريع معطلة سابقا، وقام أعضاء مجلس الأمة الذين كان اغلبهم من الإصلاحيين بتقديم العديد من القوانين لتصحيح الوضع التنموي السابق الذي اشتهر بالفساد والتراجع.
وكانت جلسة مجلس الأمة في 10 يناير الماضي جلسة تاريخية ومفصلية وشملت عدة قوانين، وعلى رأسها إسقاط القروض وزيادة رواتب المتقاعدين وتحويل غرفة التجارة إلى نقابة وعدم تخصيص الخطوط الجوية الكويتية وغيرها من القوانين، واعتبر العديد من المتابعين أن هذه الجلسة هي جلسة اختبار لجدية الحكومة في التعاون مع المجلس وسبق الجلسة اجتماع غير رسمي بين رئيس مجلس الوزراء وأعضاء مجلس الأمة وتم التأكد فيه على التعاون بين السلطتين.
إلى هذه النقطة المشهد السياسي في الكويت جميل وتفاؤلي، والناس متأملة بحل مشاكلها ومشاكل الديرة العالقة، ولكن فوجئ الجميع بانسحاب الحكومة من هذه الجلسة الجماهيرية لأهميتها، والحكومة قبلها بيومين أبدت روح التعاون ولديها الكثير من الإجراءات الدستورية التي كان من الممكن استخدامها مثل طلب التأجيل للقوانين او ارجاعها الى اللجان المختصة لمزيد من الدراسة، كما طلبت، أو تحويل المشاريع الى المحكمة الدستورية خاصة المشاريع التي فيها خلاف دستوري إذا كانت لا ترغب في الموافقة عليها.
نعيش الآن أزمة سياسية من لا شيء خاصة أن أجواء التفاؤل مسيطرة علي المشهد السياسي وانسحاب الحكومة احرج النواب، مما دعاهم إلى إلقاء اللوم على الحكومة خصوصا أننا في زمن الصحوة التنموية، وكسر مبدأ التعاون بين الحكومة والمجلس لا يجوز.
من المفترض أن الحكومة ومجلس الامة يتجاوزون مرحلة انسحاب الحكومة من الجلسة سريعا حتى لا يتحول هذا الحدث الى دوامة لا نستطيع الخروج منها ويكون ذلك مبررا للبعض بالتشكيك والطعن وخلق أزمات جانبية تتعطل فيها التنمية، ونخلق فرصة لكل متربص بالطعن بالمجلس والديموقراطية والدعوة إلى حل مجلس الأمة أو استقالة الحكومة وبعدها تكبر كرة الثلج وتشتعل وسائل التواصل والخدمات الإخبارية في التأجيج ونعود إلى نقطة الصفر.. وكأنك يا بوزيد ما غزيت.