الخطأ وارد في كل الأحوال وجلّ من لا يخطئ، وخيرنا من استدرك خطأه وعزم على ألا يكرره، ثم إن من مكارم الأخلاق الاعتراف بالخطأ، فهي شجاعة وفضيلة، والله سبحانه وتعالى عفو كريم سبقت رحمته غضبه، ويعلم ما نسر وما نعلن، والأخطاء لها وجوه عدة، فهناك خطأ متعمد وخطأ عن جهل وخطأ غير مقصود، والإنسان بطبعه يراقب الله تارة ثم يغفل عن ذلك تارة أخرى، وبين الغفلة ومراقبة النفس أعمال كثيرة، تتراوح بين الصح والخطأ، والنسيان والسهو والغفلة، ولكن باب الإنابة مفتوح للعبد، فعفو الله ومغفرته وسعت كل شيء، فعلينا أن ندعو الله بأن يغفر ذنوبنا صباح مساء وأن يكون دعاؤنا مقرونا بالرجاء بعفو الله، ومهما عظمت ذنوبنا فإننا نوالي الاستغفار ونتذكر قول حبيبنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم: يقول الله تبارك وتعالى: «يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» رواه الترمذي.
وهنا يظهر لنا جليا سعة عفو الله تعالى وكرمه ومغفرته لذنوب عباده، فهذا إبراهيم بن أدهم الإمام القدوة والرجل الصالح كان غارقا في ملذات الدنيا يعيش في نعيم، مرفه بين الغنى والعز والجاه، ثم خرج يوما إلى الصيد كعادته ممتطيا صهوة جواده يلاحق الظباء يمينا ويسارا وبينما هو كذلك إذا بصوت من فوقه يسمعه ولا يراه يقول له: «يا إبراهيم ما هذا العبث؟ (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا)، اتق الله، وعليك بالزاد ليوم الفاقة، فنزل عن دابته ورفض الدنيا، «أعلام النبلاء»، وفي رسالة القشيري أنه أثار ثعلبا فهتف به هاتف: ألهذا خلقت أم بهذا أمرت؟ فنزل من دابته وصادف راعيا لأبيه، فأخذ عباءته وأعطاه فرسه وكل ما معه ودخل البادية وعزف عن الدنيا وأقبل على الله، وكان يقول: من أراد التوبة فليخرج من المظالم، ثم صار من مشاهير علماء وأعلام المسلمين الذين يشار إليهم بالبنان، وهذا الفضيل بن عياض كان في أول حياته شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان يعشق جارية فبينما هو في طريقه إليها إذ سمع تاليا يتلو قول الله عز وجل: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) «الحديد: 16»، فقال: بلى يا رب قد آن، فرجع فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها رجل يقول لرجل: نرتحل، فيقول الآخر: لا حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم هاهنا من المسلمين يخافونني، وما أرى الله ساقني لهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام، ثم صار يسمى بعد ذلك عابد الحرمين، ومن صالحي الأمة، ودمتم سالمين.