نحن مازلنا بين يدي سورة غافر، تلك السورة العظيمة من أكثر سور القرآن الكريم التي فيها دعاء، فقد ابتدأت بذكر صفتين من صفات رحمة الله ومغفرته (غافر الذنب وقابل التوب).
(لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) لخلق الله السموات والأرض أكبر من خلق الناس وإعادتهم بعد موتهم ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هيّن على الله.
(وما يستوي الأعمى والبصير.. الآية) وما يستوي الأعمى والبصير وكذلك لا يستوي المؤمنون الذين يهتدون بهدى الله والجاحدون الذين يغضبون وينكرون دلائله البينة، قليلا ما تذكرون أيها الناس حجج الله فتعتبرون وتتعظون بها، إن الساعة لآتية لا شك فيها فأيقنوا بمجيئها كما أخبرت بذلك الرسل ولكن أكثر الناس لا يصدقون بمجيئها ولا يعملون لها.
من عرف طريق الدعاء لا يخيب أبداً
(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم.. الآية) من كمال منته على خلقه بين الله عز وجل من فضله الدعاء لله وحده المختص بالعبادة أستجب لكم، إن الذين يتكبرون عن إفرادي بالعبودية والألوهية سيدخلون جهنم صاغرين حقيرين.
دلائل عظيمة
(الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه.. الآية) الله وحده هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه وتحققوا راحتكم، وجعل النهار منيرا لتصرفوا فيه أمور معاشكم، إن الله لذو فضل عظيم على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون له بالطاعة وإخلاص العبادة، الذي أنعم عليكم بهذه النعم، إنما هو ربكم الذي أوجد الأشياء كلها، لا إله يستحق العبادة غيره، فكيف تعدلون عن الإيمان به وتعبدون غيره من الأوثان بعد أن تبينت لكم دلائله؟
(كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون)، كما صرفتم عن الحق مع قيام الدليل عليه وكذبتم به، يصرف عن الحق والإيمان به الذين كانوا بآيات الله يجحدون.
(ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين) يبين الله انه هو وحده المستحق بعبادته الذي جعل لكم الأرض لتستقروا فيها ويسر لكم الإقامة عليها وجعل السماء سقفا للأرض وبث فيها من العلامات الهادية وخلقكم في أحسن صورة وأنعم عليكم بالرزق، ذلكم الذي أنعم عليكم بهذه النعم هو ربكم فتكاثر خيره وفضله وبركته وهو رب الخلائق أجمعين.
(هو الحي لا إله إلا هو.. الآية) الذي له الحياة الأبدية لا تنقطع ليس قبله شيء ولا بعده شيء وهو الحي القيوم لا إله إلا هو، فاسألوه واصرفوا عبادتكم له وحده مخلصين له دينكم وطاعتكم.
(قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله..) قل يا محمد لمشركي قومك إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني من الآيات الواضحات من عند ربي وأمرني بالطاعة التامة له سبحانه رب العالمين.
(هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة.. الآية) يبين الله أطوار خلق البشرية خلق آدم من تراب ثم أوجدكم من المني بقدرته، وبعد ذلك تنتقلون إلى طور الدم الغليظ ثم تجرى عليكم أطوار متعددة في الأرحام، إلى أن تولدوا أطفالا صغارا ثم تقوى بنيتكم إلى أن تصيروا شيوخا، ومنكم من يموت قبل ذلك ولتبلغوا بهذه الأطوار المقدرة أجلا مسمى تنتهي عنده أعماركم ولعلكم تعقلون حجج الله عليكم، وتتدبرون آياته وتعرفون أنه لا إله غيره يفعل ذلك، وهو سبحانه المتفرد بالإحياء والإماتة، فإذا قضى أمرا فإنما يقول له: «كن» فيكون، لا راد لقضائه.
(ألم ترى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون) بعد هذه الدلائل الواضحة ألا تعجب - يا محمد - من هؤلاء المكذبين بآيات الله يخاصمون فيها وهي دلائل واضحة على قدرة الله، كيف يعدلون عنها مع صحتها؟ هؤلاء المشركون الذين كذبوا بالقرآن والكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله لهداية الناس، فسوف يعلم هؤلاء المكذبون عاقبة تكذيبهم حين تجعل الأغلال في أعناقهم والسلاسل في أرجلهم وتسحبهم زبانية العذاب في الماء الحار الذي اشتد غليانه ثم في نار جهنم يوقد بهم.
(فاصبر إن وعد الله حق) امض يا محمد في طريق الدعوة إن وعد الله حق فإما نرينك في حياتك بعض الذي نعد لهم من العذاب أو نتوفينك قبل أن يحل بهم فمصيرهم يوم القيامة يذوقوا العذاب الشديد بما كانوا يكفرون.