سيدخل العالَم بعد مائة عام من الآن في فوضى عارمة ، فوضى مخيفة ، سيتفلَّت زِمام الأمور من أيدي البشر أو يكاد أن يَتَفَلَّت .
الذين سيصنعون هوية الحياة بعد مائة عام من الآن هم الأطفال ذوي الخمس سنوات ، وسيساعدهم في ذلك الأجنة التي في بطون الأمهات عندما تخرج إلى النور .
يعاني بعض صغارنا اليوم من بعض صعوبات التعلم ، ويقوم المعلمون والمربون والتربويون بواجبهم من حيث التدريب والتثقيف ونشر المعرفة وطرح الحلول والطرائق الناجعة في معالجة ذلك ، ولعل عشرين عاما بالكثير من الآن لن تجد بعد ذلك حديثا أبدا عن صعوبات التعلم ، لأن الناس كلهم يتعلمون .
قفزت التقنية قفزات مخيفة ، والمرعب الذي يغلي ويخمد ويُطبخ هي تلك الوجوه البريئة الناعمة التي تغطيها اللحف ، وتختبئ خلف الأسِرَّة والجدران وهي تحمل ألعابها التقنية التي اشتريناها له لتتسلى .
هؤلاء الصغار الوادعون الذين أودعنا في أياديهم الجوالات والآيبادات والتابلت ليصرفوا عنا أذاهم ومشاغباتهم ؛ هم الذين سيُفاجئون العالم تماما .
سيخرج هؤلاء من جلباب الواقع ، ويقفزون إلى مستقبل منفتح لا يكبحه شيء ، ولا يضبطه ضابط ، فوسائل التعلم والمعرفة والبحث كلها بأيديهم ، وكل شيء أمام أعينهم ، وسيساعدهم في تحقيق هذا عباقرتنا الذين نُغدق عليهم بالجوائز نظير اختراعاتهم وابتكاراتهم المستحدثة كل يوم .
الجامعات ستكون هي الوعاء الأكبر الذين يطبخ لهؤلاء الصغار طعامهم الذي يتغذون منه ، والجامعات نفسها لا تعرف ما هو نوع هذا الطعام الذي يتم طهوه بمهارة فائقة .
العلم بدأ يخرج من أيدي الناس ، وسيصبح العلم والمعرفة خصوم الناس غدا ، وستكون المواجهة الحقيقية هي بين أولئك الصغار والأجنة التي ستخرج من بطون الأمهات وبين العلم ، فالصغار كل شيء بأيديهم ، وسيطورون معارفهم ، ويبتكرون وسائل لا تخطر بالبال ، وستقف كل الدول عند رغبات هؤلاء الصغار لتحققها رغما عنها ، لأنها لن تستطيع منع رغباتهم أبدا ، فهم الذين سيقودون المستقبل بكل جدارة .
في مقابل هؤلاء الصغار يكشر العلم عن أنيابه ، وسيكون هو البعبع الذي يسيطر على كوكب الأرض ، وسيتفلَّت زمام الأمور من أيدي البشر ليكون بيد العلم ، سيصبح العلم هو الذي يحرك البشرية والحياة بلا هوادة .
التقنية والذكاء الاصطناعي والشيفرات والذبذبات وغيرها هي التي ستكون في مواجهة هؤلاء الصغار الذين سيصبحون رجالا حينها ، وسيكون الصراع على أشده مَن الذي يسيطر على الآخر ؟!. وبلا شك سيتغلب العلم ، وستطيش الأرض لزمن طويل ، وسيصبح كل شيء خارج عن السيطرة ، وسنكون نحن البشر مُنساقين للعلم والتقنية وما تُمليه علينا ، نحاول أن نتواءم معها ، وأن نوظفها لما نريد ، ولكن بصعوبة فائقة ، لأن القوة لها ، ستكون التقنية في مواجهة البشرية وجها لوجه لأنها خرجت عن سيطرة البشر وتحكمهم بها .
حينها فقط سيكون المهذب لسير البشرية وتشتتها هو الدين فقط ، وسيهرع الكل إلى الإيمان والروح والنفس والرجوع إلى القلب والذات حفاظا على كينونة الإنسان وتماسكه ، وأما التقنية والعلم فلعل الأجنة التي ستكون في بطون أمهات ذلك الزمان تحاول أن تحتويها من جديد ، ولا أدري هل سيحدث أم لا .