دوام الحال أمر صعب المنال، فلا دائم إلا الله جل وعلا، أما نحن بنو البشر فلسنا بمنأى عن الهموم والأمراض والمصائب والآفات، فقد أصابت من قبلنا وستصيب من بعدنا، ولو سلم منها أحد لسلم منها من هم أفضل منا من الأنبياء والرسل والصديقين والصالحين، والسعيد منا من صبر واتعظ فنال مثوبة صبره، فأفضل العبادة انتظار الفرج، أما هذه الأيام فما هي إلا دول، يدال لنا حينا ويدال علينا حينا آخر، فلو دامت لغيرك لما اتصلت إليك، والليالي حبلى بما نتوقعه وبما لا نتوقعه وما لا يخطر لنا على بال، فالله تعالى له في كل يوم شأن، وكل مصيبة مهما كبرت وثقلت وجثمت على صدورنا فمصيرها إلى زوال، لا شك في ذلك، فليس ثمة سرور دائم ولا نعيم باق سوى نعيم الجنة، (وتلك الأيام نداولها بين الناس) سنة الله تعالى في خلقه، فنحن نحزن يوما ونفرح يوما ونصح يوما ونسقم يوما، وهكذا يكون حالنا حتى نلحق بخالقنا:
ألا كل شي ما خلا الله باطل
وكل نعيم لا محالة زائل
وكل أناس سوف تدخل بينهم
دويهية تصفر منها الأنامل
ومن أسباب تعجيل الفرج من الشدائد، تقوى الله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) «الطلاق: 2-3».
وتقوى الله خير الزاد ذخرا
وعند الله للأتقى مزيد
فتيسير الأمور يكون بتقوى الله، وإن حمدت الله في الرخاء ذكرك بالشدة، فهذا نبي الله يونس عليه السلام لما وقع في بطن الحوت وآيس من نفسه، نجاه كثرة ذكره الله وتسبيحه وتهليله، وفي ذلك يقول المولى عز وجل (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) سورة الصافات، فالله هو الموجود عند النوازل والمدعو حين الشدائد، والمرجو لكشف الهم والغم، والصبر حيلة من لا حيلة له.
روى القاضي التنوخي في كتابه «الفرج بعد الشدة» بسند متصل دعاء النبي موسى عليه السلام حين توجه إلى فرعون ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ودعاء كل مكروب ما نصه: «كنت وتكون حيا لا تموت، تنام العيون وتنكدر النجوم وأنت حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم».
وقال أعرابي: من أفضل آداب الرجال أنه إذا نزلت بأحدهم جائحة استعمل الصبر عليها، وألهم نفسه الرجاء لزوالها، حتى انه لصبره يعاين الخلاص منها توكلا على الله عز وجل، وحسن ظن به، فمتى لزم هذه الصفة لم يلبث أن يقضي الله حاجته ويزيل كربته وينجح في طلبته ومعه دينه وعرضه ومروءته.
من هنا، أقول علينا عدم اليأس من روح الله والقنوط من رحمته. ودمتم سالمين.