الظـــــروف الاقتصادية الصعبة التي تفوق قدرة غالبية أرباب الأسر، والهجرة الواسعة للرجال بعد سنوات طويلة من الحرب استنزفت قطاع الشباب بين من اضطر الى اللجوء والسفر وبين من سحب الى الخدمة الإلزامية، كلها عوامل أجبرت المرأة السورية على الانخراط بشكل أكبر في سوق العمل وامتهان أعمال لم يعتد عليها المجتمع السوري كقيادة باصات حافلات النقل وأعمال البناء و«العتالة» فضلا عن العمل في المطاعم والمقاهي.
ورغم عدم وجود إحصائيات لنسب عمالة المرأة، إلا أن موقع «أثر» نقل عن مصدر من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رصده زيادة واضحة في عمالة المرأة بلغت سبع نساء عاملات مقابل كل رجل، الأمر الذي دفع إلى إصدار قرار متعلق بنظام تشغيل النساء، والمتضمن الظروف والشروط والأحوال التي يجري فيها تشغيل النساء، إضافة إلى الحقوق المترتبة على صاحب العمل.
وعلى سبيل المقال ينقل الموقع عن سيدة تدعى فاطمة تبلغ 40 عاما، أنها اضطرت للبحث عن عمل لسد احتياجات عائلتها والحصول على قوتها وهو ما لم تعتده كونها لم تكن من النساء العاملات لاكتفاء عائلتها ماديا. وعليه بدأت العمل منذ أشهر من خلال التعاقد مع إحدى الشركات المسؤولة على تأمين ركن للسيارات في منطقة المحافظة بدمشق، ورغم غرابة الأمر في البداية بالنسبة لأصحاب السيارات، أصبح الزبائن أكثر تقبلا لقيامها بهذا العمل.
أما الفتاة العشرينية لبنى فلم تصمد كثيرا في عملها الأول وهو نقل أكياس الخضار والفواكه في سوق الهال بالزبلطاني، بسبب الجهد الكبير في العمل والمردود المادي الضئيل جدا، إذ كانت تتقاضى مبلغ 20 ألف ليرة في الأسبوع، ما اضطرها الى تغير العمل والاتجاه إلى العمل في مجال تصنيع الحلويات وبنفس المردود لكن بجهد أقل، بحسب ما نقل عنها موقع «أثر».
بعض الفتيات اضطررن للعمل على الرغم من تواجد رب الأسرة بغرض الحفاظ على مستوى معيشي معين، ومنهن من تركت دراستها الجامعية كونها تحمل مسؤولية أسرتها لتتلقى أجرا زهيدا لا يزيد عن 200 ألف ليرة سورية، وهنا تقول مريم لـ «أثر»: «العمل ليس معيبا مقابل الحاجة طالما أنني لا أتسول في الطرقات والشوارع للحصول على المال»، تكمل الفتاة الحاصلة على معهد تربية رياضية «حاولت الحصول على وظيفة في القطاع العام كثيرا ولكن دون فائدة فما كان مني إلا التوجه للعمل مدربة رياضة بلعبة الكاراتيه».
وتشير الى أن «الكثير من الفتيات يعملن خارج اختصاصهن، فصديقتي خريجة قسم التاريخ تعمل محاسبة في مطعم بمنطقة البرامكة»، مبينة أن معظم الفتيات يفضلن العمل في محلات الألبسة والأحذية والاكسسوارات والحلويات، رغم أن الرواتب ضعيفة جدا وغير كفيلة لسد التكاليف والحاجات الملحة المتراكمة.
وبحسب د.أمينة الحاج الاخصائية في علم اجتماع، فإن فرص العمل متاحة، ولكن كلها محفوفة بالمخاطر والتنازلات التي أجبرت عليها النساء بسبب غياب المعيل وعدم القدرة على المغادرة البلاد.
وتؤكد أن بعض الشركات والمؤسسات تفضل توظيف النساء على الرجال أملا في تحقيق الاستقرار بالعمل، مشيرة الى دخول النساء بمجالات جديدة مثل البناء والتمديدات الكهربائية أو الصحية، وبعضهن يعملن على سيارة أجرة أو في البلدية، معتبرة أن هذا تهديد لكرامة المرأة.