ما نعرفه وندركه أن (الخشونة) هي طباع مرتبطة بالرجل، وأن «النعومة» هي طباع مرتبطة بالمرأة، هكذا عرفنا الحياة، وهكذا ننظر لمن يعيش في هذه الحياة سواء من الذكور أو الإناث، فهذا التصور خالد في نفوس البشرية مع مختلف أعراقها وامتداداتها، وإن تزعزع هذا التصور بسبب التصرفات غير الواعية كانت هذه الحياة تمضي في غير توازنها، وفي غير طبيعتها.
والسؤال هنا: لماذا يظهر لنا بعض المنتسبين لكفة الرجال - ذوي الطابع الخشن - بمظهر النعومة الذي يلحق دائما بطباع النساء؟! فيتكلمون بتميع، ويضحكون بتميع، ويمشون بتميع، وكل تفاصيل حياتهم تكاد تكون تحمل عنوان النعومة وتنطق بالنعومة!، وحتى اختيارهم لاحتياجاتهم ولوازمهم الشخصية به لطافة صارخة! ورقة عالية للغاية! فلماذا يتعمدون تقمص هذا المشهد الذي يحط من قيمة الرجل، ويجعله يبدو بعيون الناس صغيرا للغاية!
فإن كانوا يظنون أن السلوك «الناعم» الذي يسلكونه يزيد من قبولهم بين الناس فهم واهمون، وإن كانوا يظنون أن الظهور بمظهر النعومة يجعل «الناعمين الحقيقيين» ينجذبون نحوهم ويتقربون لهم فهم مخطئون وواهمون كذلك، فعليهم أن يعلموا أن الذي ينسلخ من طبيعته ويتقمص طبيعة أخرى عرف بها غيره لن يجد له أي تقدير أو قيمة من الغير، وسوف يرى أعين الاحتقار والانتقاص تلاحقه أينما حل وارتحل، لأنه رفض أن يعيش طبيعته!
وفي الحقيقة.. انتقادي في هذا المقال هو غير موجه لمن ابتلاه الله في فكره وعقله وباتت حالته مرضية، فمثل هذا ندعو الله بأن يمن عليه بالشفاء العاجل، ولكن هذا الكلام موجه لطبقة من «الرجال» معينة، وهي تلك الطبقة التي مازالت في صفوف الرجال لها اعتبار، ولكنها لم توفق في اختيار كلماتها، وحركاتها، ونظراتها، وذوقها العام، وكانت دائما تصف في ناحية (النعومة) في اختياراتها ومسالكها المختلفة.
ولو أخذنا نتدبر في الأقوال المأثورة لوجدنا أن الكثير منها يدعونا إلى «ممارسة الخشونة» والتوجه نحو طبيعة «الاخشوشان»، فهناك الكثير من الأقوال تحذر من الارتماء في أحضان «التنعم» المبالغ فيه، وتحث على الخوض في مضمار الخشونة، حتى لا يضعف كيان الإنسان ويتعود على «تفاهة الحياة» وينسلخ بعد ذلك من طبيعته، ولعل القول المأثور لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤدي جانبا من المعنى الذي أصبو إليه، حين قال: «اخشوشنوا فالنعم لا تدوم»، فهو يحثنا هنا على مراعاة النفس حتى لا تضيع في مغريات الحياة.
لذلك نقول لبعض من الرجال: عيشوا النعم التي أنعم الله عليكم بها وأظهروها أمام الأعين إن أردتم، ولكن دون أن تصلوا إلى موضع يجعلكم تحيدون عن طريق الحق، فبين إظهار التنعم وبين الولوج في طريق الخطأ شعرة رقيقة ودقيقة، فتجنبوا ذلك بعناية وفهامة ورزانة حتى لا تقعوا بالمحظور، ونقول لمن يتعمد الظهور بالمنظر «اللارجولي»: عد لطريقك الطبيعي حتى تجد قيمتك كاملة، وحتى تسمو في عيون الناس وتعلو، فما هي قيمة كيان الإنسان حين يوضع في غير القالب الذي وجد من أجله، وما هي قيمة الأجساد حين تسقط من منزلتها وتنتقل في غير موضعها؟!
hanialnbhan@