نحن بين يدي الحواميم، والحواميم هي الصور التي افتتحها الله عز وجل في القرآن الكريم بـ «حم»، وهي من الحروف المقطعة، وهي أربعة عشر حرفا جمعها المفسرون بعدة اقوال منها نص حكيم قاطع له سر، والله اعلم بمراده، ولكن المفسرون رجحوا ان يكون دوما بعد هذه الحروف انتصارا للرسالة، فإذا جاءت الحروف المقطعة يغلب عليها ذكر القرآن بعدها مباشرة والانتصار له وللرسالة.
استفتح الله عز وجل السورة بالحديث عن فضل القرآن الكريم ومنزلته ومكانته وشرفه، قال (حم تنزيل من الرحمن الرحيم)، نزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كتابا بينت آياته، ووضحت معانيه واحكامه، قرآنا عربيا ميسرا فهمه لقوم يعلمون «اللسان العربي»، فحري بهم ان يفخروا بأنهم من اهل اللغة، فيجلون ما فيه ويعرفون الاعجاز البلاغي الذي احتواه (بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون)، مبشرا بالثواب العاجل لأهل الايمان ونذيرا بالعقاب العاجل والآجل لمن كفر به، فأعرض عنه اكثر الناس فهم لا يسمعون، فقد عطلوا اسماعهم (وقالوا قلوبنا في أكنة.. الآية)، قال الكافرون للنبي صلى الله عليه وسلم قلوبنا في غطاء مانع لنا من فهم ما تدعونا اليه، وفي آذاننا صمم فلا نسمع، ومن بيننا وبينك ـ يا محمد ـ ساتر يحجبنا عن اجابة دعوتك، فاعمل وفق دينك كما اننا عاملون وسائرون بطريقتنا وعلى كفرنا.
وحي القرآن ووحي السنة
(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ.. الآية)، قل لهم يا محمد انما انا بشر مثلكم يوحي الله الي انما الهكم إله واحد لا شريك له، وقد اختار الله لرسالته بشرا وان كان صلى الله عليه وسلم افضل خلق الله، وما يتكلم به النبي صلى الله عليه وسلم وما يفعله من امور دينه فإنما هو وحي يوحى، وان الوحي لنبينا وحيين: وحي بالقرآن ووحي بالسنة.
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون)، ان الذين آمنوا بالله ورسوله وكتابه وعملوا الاعمال الصالحة مخلصين لله فيها لهم ثواب عظيم غير مقطوع ولا ممنوع.
دلائل قدرة الله
(قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين)، الله عز وجل مازال يلقن نبيه حجة التوحيد بلغتهم الى دلائل التوحيد، الله تعالى هو الذي خلق الارض في يومين اثنين وتجعلون له شركاء تعبدونهم معه؟ ذلك الخالق هو رب العالمين كلهم.
(وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها.. الآية)، وجعل سبحانه في الارض جبالا ثوابت من فوقها تثبت الارض عن الحركة، وبارك فيها فجعلها دائمة الخير لأهلها وقدر فيها الارزاق بما يحتاجون اليه من غذاء وبما يصلح معاشهم في تمام اربعة ايام: يومين خلق فيهما الارض ويومين جعل فيهما رواسي وقدر فيهما اقواتها سواء للسائلين، اي لمن اراد السؤال عن ذلك ليعرفه.
جمادات استجابات لخالقها
(ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا آتينا طائعين)، أمر الله عز وجل السماء والارض ان تأتيا طوعا ام كرها، قالتا: آتينا طائعين منقادين لك، ليس لنا ارادة تخالف ارادتك.
(فقضاهن سبع سماوات في يومين.. الآية)، فقضى الله خلق السموات السبع في يومين، فتم بذلك خلق السموات والارض في ستة ايام لحكمة يعلمها الله مع قدرته عز وجل على خلقهما في لحظة واحدة، ووصلنا السماء الدنيا بالنجوم المضيئة زينة للناظر، ومن فضل الله عز وجل على البشر ان جعل النجوم علامات، وذلك الخلق تقدير الله سبحانه العزيز الذي لا يغلبه شيء، ذلك الخلق البديع تقدير العزيز في ملكه، العليم الذي احاط علمه بكل شيء.
(فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود)، فإن أعرض هؤلاء المكذبون بعد ما بيّن لهم من اوصاف القرآن العظيمة، ومن صفات الله عز وجل، فقل لهم: قد أنذرتكم عذابا يستأصلكم مثل عذاب عاد وثمود حين كفروا بربهم وعصوا رسلهم.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)