السر ما يكتمه المرء في نفسه ويخفيه عن غيره، ولا يبوح به لأنه متى أخبر به لم يعد سرا، وقد ورد فضل كتمان السر وحفظه في القرآن الكريم حيث أمر يعقوب ابنه يوسف عليهما السلام بأن يكتم عن اخوته رؤياه التي أريها ولا يذكرها لهم، لما فيه من مصلحة له، وفي ذلك يقول المولى عز وجل: (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين) «يوسف: 5».
وكان الناس في الماضي يقولون «سرك في بير»، بمعنى أنه لن يطلع على السر أحد وسيكون محفوظا مصونا، ويفون بما يقولون، لأن صدورهم خزائن أسرارهم، أما اليوم فلم يعد ثمة سر في بئر ولا بئر في سر ولاهم يحزنون، فقد أصبحت الأسرار في الهواء الطلق تتنفس الأوكسجين وتشير بيدها للذاهب والعائد.
يقول الإمام علي: «سرك أسيرك فإن تكلمت به صرت أسيره».
ويقول عمرو بن العاص: «ما وضعت سري عند أحد فأفشاه فلمته لأني كنت أضيق صدرا منه حين استودعته إياه».
وقد اعتبر الحسن البصري إفشاء سر الصاحب خيانة.
وقال عمر بن عبدالعزيز: «القلوب أوعية الأسرار والشفاة أقفالها والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل امرئ مفتاح سره». وفي ذلك يقول ابن نباتة السعدي:
صُن السر عن كل مستخبر
وحاذر فما الحزم إلا الحذر
أسيرك سرك إن صنته
وأنت أسير له إن ظهر
وقال حكيم: «أصبر الناس من صبر على كتمان سره»، فكتمانك سرك يعقبك السلامة، وإفشاؤه يعقبك الندامة، والصبر على كتمان السر أيسر من الندامة على إفشائه. ودعونا مما مضى وتعالوا أحدثكم عن الحاضر وقصة عاصرتها، فإني أعرف رجلا تمام المعرفة حضر عقد قرآن صديق له تزوج بالسر وشهد على العقد، وضرب الزمان بجرانه ومضى على هذا الزواج السري أكثر من عشرين سنة، ورزق الرجل بأبناء وكبر الأبناء ولم يعلم أحد شيئا عن هذا الزواج إلا هو وشاهد ثان مثل حالته، أما زوجته الأولى وأولادها فلا علم لهم بشيء، ثم مات الرجل الذي تزوج سرا والسر مازال طي الكتمان في صدر صاحبه الكتوم، وبعد أن صدر نظام البطاقة المدنية ظهر هذا السر، وعلم الجميع بزواج الرجل وأن لديه أبناء.
وقد سألت هذا الرجل عن هذه القصة العجيبة ومقدرته على كتمان هذا السر طوال هذه المدة؟ فقال لي القصة وأردف قائلا: ما كنت لأفشي سر صاحبي حتى تفارق روحي جسدي، وقد مات هذا الرجل أيضا وكان صاحبا لي، رحمه الله، والحق أن أدنى أخلاق الشريف كتمانه سره وأعلاها كتمانه ما أسر إليه، ودمتم سالمين.