لكل إنسان انجذاب ونزوع نحو فهم الحقيقة التي يرتكز عليها العالم، وهذا الانجذاب والنزوع أمران فطريان عند كل إنسان، ومن أجل ذلك ينبغي على كل إنسان أن تكون له رحلته الخاصة نحو فهم «المطلق» و«المعقول» والارتقاء في درجات العلم والمعارف الروحية، وإنها لحقيقة ثابتة بلا أدنى شك أن تعدد الطرق إلى المعرفة حقيقة نفسانية، إلا أن المنهجية الدقيقة هي التي يمكنها أن تصون حركتنا التكاملية من الفوضى والبعثرة الروحية وذلك في أغلب الحالات.
وبالنظر إلى القرآن الكريم فإننا نجده يقدم السبل إلى ما نأمله سواء كان سبلا وطرقا عقلية برهانية أو طرقا وسبلا فطرية أو طرقا وسبلا روحية ومتعالية وهذه هي مبتغانا في هذه القصاصة.
إن في أعماق وباطن كل إنسان رغبة وميلا شديدين إلى الحصول على تجلٍ متكامل ومتوازن بكل شؤون وجوده الداخلي والخارجي بما يملأ حياته ويغنيها عما سواها، فهو يريد أن يحيط بكل شيء وأن يحظى بكل شيء ويسعى للخلود والراحة الدائمة، هكذا هو الإنسان، ومن هنا قد يكون كفورا وقد يكون شكورا وتأتي اختبارات الحياة لتصقل هذه النفس، فالحياة بمجملها طريق قد يوصل الإنسان إلى مرتبة لقاء الله، وقد يوصله إلى كهوف الشهوات والغرائز التي تورثه مقام الخزي والسفالة والخسران وتخرجه من إنسانيته النقية.
إن تعليمات الأنبياء والحكماء والأولياء هي في حقيقتها تنبيهات تعريفية بتجليات معاني الفطرة الإنسانية المودعة في داخل كل إنسان ودور هؤلاء هو ليس تعليمي فقط بل انه تدريب على العمل بدقائقها وذلك كله مهمة الإنسان وحده.
من هنا نفهم سر الهداية والتوفيق وأنهما لا يتحققان بفرض الآراء بالقوة بل إن مفتاحهما هو التذكير، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)، ولذلك فإن مسؤولية دعاة الصلاح والأصلح تبدأ بالتقوى لأن الروح هي التي تنجح المقاصد والبلاغ ينبع من الروح الصادقة النقية وحسب.
يجب أن نفهم أن الفطرة ليست مخزنا أو متجرا للمعلومات الجوفاء بل هي حقيقة من حقائق وجودنا.