الحيلة لا تبني قصورا ولا تعمر دورا، ولكنها تجني الخيبة والخذلان وإلى ما لا تُحمد عقباه، فهي وسيلة من وسائل المكر والغش والخداع يلجا إليها كل من مات ضميره ونسي ربه وغره بالله الغرور، هذا المرء غير المستقيم يريد بلوغ غاياته ومآربه بطرق ملتوية، فسمي عند الناس محتالا، والمثل الشعبي كاملا «من عاش بالحيلات مات بالفقر» وربما قالوا حيلة، والفقر بانتظار المتحايل، والمثل دارج عندنا ويعرفه كثير من الناس ويتمثلون به، ويضرب لمن يريد أن يصبح غنيا بأي طريقة حتى وإن كانت غير مشروعة لا مانع من ذلك المهم المال لأن الطمع والجشع أعمى بصره وبصيرته، وصار بينه وبين الأمانة عداوة مزمنة وكره متبادل.
ولعلنا نتذكر المسلسل الكويتي الشهير درب الزلق وكيف كان حسين بن عاقول يحاول جاهدا كسب المال الكثير حتى يصبح من الأغنياء، ومن أجل ذلك حاول بكل وسيلة أن يكون غنيا، حتى أنه استخدم الغش في تجارته، ووقع في شر أعماله أكثر من مرة، ومع ذلك لم يرعو ولم يستكن بل عاود الكرة تلو الكرة وباع على الناس لحم كلاب على أنه لحم غنم وفي النهاية بدد ميراث والده وأصبح على الحديدة صفر اليدين وأقدم على الانتحار بسبب خسارته أمواله. ولم يجد عملا إلا في محل خاله قحطة المتواضع بعد الغنى والأحلام الكبيرة.
ومن سار على هذا الدرب ختم له بهكذا نهاية، فلا يفلح الماكر المخادع أينما توجه حتى وإن نجح في بداياته وفرح سيفشل في نهاية المطاف، ويقع في شر أعماله ويعض أنامله ندما، ثم تسأل عنه فإذا به قابع في السجن يدفع ثمن خديعته للناس، وهذه نهاية كل من يسير في هذا الطريق الأعوج والمحفوف بالمخاطر، فلا هو أصبح غنيا كما كان يريد ولاهو أصبح حرا طليقا، وهذا الجزاء من جنس العمل.
يقول ابن القيم على نفس السياق: من عاش بالمكر مات بالفقر، ولهذا المثل أصل في الشرع أيضا فقد قال الله تعالى (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله). وأهل المكر والخداع وتغيير الوجوه متواجدون في كل مجتمع ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد يضل كيدهم ويبطله ويمهل ولا يهمل، فتدور الدوائر عليهم، لأن من احتال على الناس احتيل عليه، ومن خادعهم خدع، فلا تجد ماكرا إلا ممكورا به، وقد نجد أناسا يحاولون تغيير جلدتهم ويتخلقون بغير أخلاقهم، ويضفون على أنفسهم هالة من الرزانة ويظهرون خلاف ما يضمرون من أجل مآرب خبيثة تشبه نواياهم الخاربة، للوصول إلى أهدافهم ولكن الله لهم بالمرصاد، دائما ما يفضحهم ويكشف أوراقهم وكل بصير مدرك يعرفهم بسيماهم، فللخير وجوه وللشر وجوه.
ولا شك أن بين الخداع والكذب قرابة قريبة وصلة نسب وثيقة لأن المخادع دائما ما يرتدي عباءة الكذب والتدليس ويتجمل بها ليمكر بالناس، وقد قال المولى عز وجل: (أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) «الأعراف: 99»، هذا ودمتم سالمين.