شهدنا بحزن شديد النتائج المفجعة التي تسبب فيها الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة قهرمان مرعش التركية، وامتد حتى شمال سورية، ليضرب العديد من المدن السورية المتهالكة بنيانا، والمتصدعة صراعا، والفقيرة بأبسط المتطلبات اليومية للحياة، ومن بينها إعزاز، وإدلب.
كثرت المشاهد المحزنة، التي جاءت من سورية الحزينة، التي تكالبت عليها مصائب الزمن الواحدة تلو الأخرى، ليحاصرنا الوجع المر، وتمزقنا أشلاء، صور ولقطات جديدة تحكي معها فصلا آخر من رواية سوداوية الفصول، بمشاهد مرعبة مربكة، موحشة مبكية، مزلزلة للوجدان، تقتلعك من بين أهلك إلى غربة موحشة لا حياة فيها، أنقاض فوق أنقاض، رواية لا تريد أن تقرأها، لكنها تجبرك على إكمالها، لعلك ترى نورا في صفحتها الأخيرة، أو تعثر على نهايتها، لا لترتاح أو تهدأ فرائصك، بل لتستكين بسلام تلك الفتاة ذات العينين الزرقاوين التي كانت يوما عزيزة، شامخة، أبية النفس، لا تعبأ إلا بقطف ثمار «الحمضيات» تحت اشعة شمس دافئة.
طفلة تحت الأنقاض، وبنظرات شاردة خرساء تحرس أخاها، شابة في مقتبل العمر تندب حظها ببقائها حية ورحيل أسرتها، شطرها الفراق إلى نصفين، موت وحياة، ونظرة ذاهلة لأب يلامس أنامل «فرحة أيامه» راقدة تحت أطنان الحديد والأسمنت، «بالأمس ضحكنا معا واليوم أبكيك وحيدا»، وآخر مذبوحا يزف صغيريه إلى قبرهما بنواح يفطر القلب.. تلك مشاهد عجلى وما لم ينقل أمر وأكثر.
المدن السورية المنكوبة أحوج من أي وقت مضى لفزعة عربية وإسلامية غير مسبوقة، شعبية ورسمية، الزلزال قام بفعله المدمر ومضى، تاركا آثاره المرعبة، والبرد القارس ينهش أجساد الأحياء يوميا، بلا مأوى، ولا قوت يكابدون مرارة العمر الشقي، ولا ناصر لهم إلا دعاء من قلب، أو يد احسان تذكرهم بأن الحياة وإن قست، فلاتزال تجود بالخيرين المحسنين، وهم نورها إذا ما أظلمت الأيام.
وليس من مقارنة بين سورية وتركيا، وإن كانت المصيبة واحدة، ولم يعبأ الزلزال بالحدود المرسومة، ولكن هناك فرقا بين دولة تتقدم نحو المستقبل بخطى ثابتة، ولديها مؤسسات رسمية ومجتمعية فاعلة، وتملك جميع المقومات لمجابهة الكوارث الطبيعية، وأخرى تصارع لأجل البقاء منذ أكثر من 12 عاما.. حفظ الله الشعبين من كل مكروه.
[email protected]