في بلاد العالم المختلفة التي تدرك تاريخها وتستثمر فيه لتربية الأجيال، ووضع رؤية تنموية صلبة وقوية، نجد أن الأعياد الوطنية هي مناسبة مهمة لمراجعة أحداث التاريخ والتعلم منها واستثمارها.
وينطبق ذلك على كل مؤسسات الدولة، وفي جميع مجالات ومناحي الحياة. خلال سنوات دراستي في الولايات المتحدة، كنت أتابع النظام التعليمي، لأجد أنهم يتحدثون للأطفال في المدارس قبل أي مناسبة وطنية، ويعلمونهم تاريخ بلادهم، والشخصيات المؤثرة ودورها في اتحاد هذه البلاد، مع وضع صورهم والرموز الخاصة بهم، حتى إذا ما جاءت المناسبة الوطنية، وجدت الأطفال لديهم معرفة كبيرة عن تاريخ بلادهم، وهكذا يزرع الانتماء والــولاء، وهــكذا يفــهم الأطــفال ويتعلمون حب الوطن. قس على ذلك مختلف مؤسسات الدولة، ودورها في الاستثمار الإيجابي لهذه المناسبات والأعياد الوطنية.
وبالانتقال من بلاد العم سام، والعودة إلى وضعنا الحالي، نجد وكأن جذوة الاحتفال بالأعياد الوطنية قد انطفأت، فالكثير من الوزارات والمباني الحكومية، لم تعد كسابق عهدها تتزين وتستنير في الاحتفالات الوطنية، والمنصة الإعلامية الرسمية (تلفزيون الكويت) بالكاد يتناول أبطال وتضحيات الشهداء، وكيف صنعت الشدائد الرجال، أين المسيرات التي تشترك فيها كل قطاعات الدولة على شارع الخليج؟ أين..؟ وأين..؟ ومن ثم فلا تتعجبوا إن لم يفهم أطفالنا وأجيالنا الناشئة، ما المغزى وما الفائدة من الأعياد الوطنية، سوى أنها إجازة رسمية!
وحتى لا يقول أحد المتحذلقين أنني تجاهلت ذكر رأيه، في أن بعض الأحداث، قد تسيء إلى دول الجيران، وأنه لا داعي في نبش الماضي الأليم، فها أنا أفند ما قد يدعيه البعض بهذه الحجة الباطلة، وأذكرهم بأن هؤلاء الجيران يحتفلون بزوال الحكم الغاشم، كما نحتفل نحن بزوال الاحتلال الآثم، وعليه، فمن يحبك يفهم أنك تحتفل من أجل حريتك وصمودك، ومن يكرهك، سيخلط الأوراق، ولن يعجبه العجب، ولذلك أقول له غير مأسوف عليه «اشرب من الخليج، ودعنا نحتفل بالعيد».
أرجو أن تصل الرسالة، إننا في حاجة ماسة لإحياء المشاعر الوطنية في قلوب الأجيال الناشئة وشباب الكويت، وإننا في أمسّ الحاجة لاستثمار هذه المشاعر الإيجابية بالتحرير والفخر والعزة، وتحويلها إلى أعمال إيجابية يشارك فيها شباب الكويت في التنمية والتطوير والإعمار من أجل مستقبل أفضل لهم ولأولادهم.
إنني هنا لا أسعى فقط للاحتفال، وإنما لشيء من الماضي نتعلق به، لاستعادة الأمجاد، والعودة لركب التقدم والتنمية، لأن تجاهل الأعياد الوطنية ينم عن الكثير من المعاني النفسية السلبية التي تنذر بالخطر. قد يرى البعض أنه من الخطأ الحديث في الأمر، مع الأعياد الوطنية، وأنه من الأجدر التهنئة، وعليه أقول لكل القراء الأعزاء، كل عام وأنتم بخير، ووطننا العزيز هو بلد الأمن والأمان.
وأذكر - لعل الذكرى تنفع المؤمنين - أحيوا الأعياد في القلوب، لعل الأجيال القادمة تحمل مشاعل التنمية والتقدم لتنير الدروب في ظل حكامنا الكرام.