تعيش بلادنا الأيام القادمة ذكرياتها الوطنية، وخير ما نتذاكره بهذه المناسبة هو عبادة الشكر لله تعالى على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة علينا، بانكشاف الغمة وزوال الكــربــة ورسوخ الأمن والأمان، بفضله سبحانه وتعالى فله الحمد والشكر عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون - الأنفال 26).
فاتقوا الله تعالى عباد الله حق التقوى واشكروه على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة كما أمر سبحانه وقال: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) كم لله علينا من نعمة ومنة (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم).
حقيقة الشكر أنه اعتراف العبد وإقرار بعظيم فضل الله تعالى المنعم وعظيم آلائه، جل جلاله، فيعترف بقلبه ويثني بلسانه ويعمل بجوارحه بطاعة الله، ولا يستعين بشيء من تلك النعم على معاصي الله وشكر النعم منافعه في الدارين للشاكر، أما الغفلة عن الشكر فضررها على الغافل؛ قال الله تعالى: (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد) لقمان: 12، ومن تدبر كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم رأى للشكر تلك المزايا والخصائص، (فقد قرن الله تعالى الشكر بالإيمان وجعله سببا للأمن ودفع البلايا فقال: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) وشكرك لربك يا عبدالله سبب لرضاه عنك قال تعالى: (وإن تشكروا يرضه لكم)، وفي الحديث: «إن الله يوصي عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها»، وشكر النعم هو دأب أنبياء الله والمرسلين قال تعالى عن نوح عليه السلام: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم).
وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس شكرا لله وتعظيما لنعمه، قام الليل حتى تفطرت قدماه، فقيل له إنك عبد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: «أفلا أكون عبدا شكورا».
إن شكر الله هو نعمة يمن بها على من يشاء من عباده، فيكون من الشاكرين: (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) الأحقاف: 15.
وقال تعالى: (اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور) سبأ: 13.
قال داود عليه السلام: «يا رب، كيف أشكرك، والشكر نعمة منك؟ قال: «الآن شكرتني حين علمت ان النعمة مني، ولما تنكر قوم سبأ لنعم الله وجحدوها ولم يشكروها، وقابلوها بالعصيان، سلبها الله منهم، وأذاقهم ألوانا من العذاب بسبب ذلك: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) سبأ: 15 - 17 فقيدوا رحمكم الله نعم الله واستزيدوا منها بشكرها كما أخبرنا ربنا جل وعلا (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إني عذابي لشديد) إبراهيم: 7.
واحذر يا من تعصي الله انك إذا رأيت ربك يوالي عليك نعمه وأنت تعصيه، فاحذر من قوله تعالى: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين) الأعراف: 182 - 183.
قال سفيان - رحمه الله -: «يسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر» وفقنا الله لرضاه وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
اعلموا أثابكم الله ان الشكر لله تعالى يكون على مستويين: فردي بين العبد وربه وفي خاصة نفسه، وجماعي على مستوى المجتمع والدولة.
فلتكن هذه المناسبات الوطنية فرصة لنجدد جميعا الشكر لله تعالى على فضله وكرمه، وإقرارا بفضله بقلوبنا، وأن تلهج بشكره ألسنتنا، وأن تستقيم على طاعته جوارحنا وأحوالنا، وذلك بأن يسود في مجتمعنا المعروف، وأن ينهى فيه عن المنكر، وأن تنتشر القيم الاصيلة والأخلاق الحميدة والعادات المحمودة، وأن تضمحل العادات الدخيلة والأخلاق السيئة والأفعال المشينة، والتشبه والتقليد للغرب والشرق في سلوكياتهم الغريبة والمستنكرة، وان نأخذ على أيدي أولئك الذين يريدون نشر الفساد وإبعاد المجتمع عن دينه وقيمه بهذا عباد الله نحقق الشكر لله تعالى كما يحب ربنا ويرضى، وبهذا نستجلب المزيد من الأمن والأمان والنعم كما وعد ربنا «جل وعلا» لئن شكرتم لأزيدنكم.