الممارسات والسلوكيات الشاذة بأنواعها في بعض الشوارع خلال الاحتفالات بحجة البهجة والفرحة بالأعياد الوطنية لا تعد تعبيرا عن الولاء والمواطنة والانتماء لهذا الوطن البتة، والوطن لا يحتاج لأن نرقص ونهز الوسط، أو أن «نطق رقبه علشان» نؤكد وطنيتنا وانتماءنا له.
لم يخبرنا أجدادنا يوما بأن معيار حبنا لهذه الأرض هو مدى قوة تراشق أطفالنا وشبابنا وشاباتنا بينهم بالماء وحذف سيارات المارة ببالونات مملوءة بالسوائل التي لا أحد يعرف مكوناتها، والتحرش بالعائلات ومضايقة المارة وتحويل أفراحهم إلى أتراح وأحزان.
نعرف أن الفرح هو نقيض الحزن، واصطلاحا: انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية، والفرح لذة في القلب، وقد يكون الفرح بما ليس بنفع ولا لذة كفرح الصبي بالرقص وغير ذلك مما يتعبه ويؤذيه ولا يسمى ذلك سرورا.
وهناك فرح مذموم الذي يحمل عليه الأشر والبطر، والمواطنة التي نعبر عنها بهذا السلوك، شابها فهم خاطئ لدى البعض في معانيها وفلسفتها وهي التي يجب أن تظهر معانيها وملامحها وأبعادها خلال فبراير بشكل أرقى وأنقى وأزهى مما هي عليه في نفوس البعض، ليتصرف أولئك المخطئون وفق ذلك المنطق الأعوج من الفهم الذي أوقعوا أنفسهم به، والبعض الآخر يصدر هذا المفهوم بعلاته من خلال أعياد الكويت عن طريق مظاهر الاحتفالات التي لم نكن نعرف مثيلها من قبل.
قد يكون ذلك نتيجة التغيرات الذي يعيشها عالم اليوم في جوانب الحياة المختلفة، السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، نحن لا نلتمس الأعذار (لأصحاب الفهم الخاطئ)، لكننا نقول إن المخاطر تكمن في «تمنهج» هذا الأسلوب حتى أمسى يوما من قواعد العمل الوطني المعتادة لاحتفالاتنا.
إن تربية المواطنة الحقة في نفوس الشباب مسلك مهم من مسالك البناء، فهي تزرع في نفوس الصغار كيف ان عزتهم وكرامتهم لا يمكن أن تتحققا إلا بعزة الوطن وإعلاء شأنه، ومحبة الوطن، والإخلاص له يكون بتربية «عيالنا» على الفهم الصحيح لحب الوطن.
لذلك يجب على التربويين تعريف الشباب بمفهوم المواطنة والعمل على تحقيقها، بذلك نضمن صلاحهم وانتماءهم بالشكل الذي يدركون معه أن الانتماء والمواطنة والولاء راسخ في جذور الجغرافيا والتاريخ والبيئة، وضارب في أعماق معنى الولاء الحقيقي للوطن، وبشكل لا يتزحزح أمام عاديات الزمن.
هناك مشكلة من مناهجنا التربوية بالعالم العربي في تعلم مادة الوطنية، لكنها لا تفرق بين الانتماء والولاء، لذلك لا بد الآن من التركيز على مثل هذه المفاهيم وإشاعة ثقافة المكان والولاء للأرض والوطن وقيادته.
فهذا أكثر ثباتا وتجردا وإخلاصا للتشبث بالأرض والتمسك بوحدة الوطن وهويته، ان الانتماء الحقيقي هو الالتصاق بالأرض والانسجام والتناغم في بوتقة هوية الوطن والانصهار والذوبان فيها، والانتماء صفة نكتسبها بحكم الولادة والمنشأ في نفس المكان أو حتى الإقامة الدائمة، لذلك فهي صفة غير قابلة للتجزئة، ولا يدخل ضمن معايير وجودها وسلامتها هز الوسط و«طق رقبه» والتحرش بعباد الله!