من أكثر الأمور التي بقيت عالقة في ذهني، تلك الصورة التي شاهدتها في أحد المتاحف التركية، لقارورة بلاستيكية بقيت في البحر لسنوات طويلة، لتشعر أن استخدام البلاستيك قد أصبح أقرب الى جريمة بيئية! وبعدها بسنوات وصلت لولاية نيوجرسي، وكان معي أكياس بلاستيك أحضرتها من ولاية أخرى، فقالت لي موظفة الجامعة إن هذه الأكياس نادرة وعملة صعبة لأنها ممنوعة في الولاية! ولذا في أماكن التسوق يجلب الناس معهم أكياسهم الخاصة أو يدفعون ثمن أكياس ورقية عادة كبديل!
منذ ابتكار البلاستيك عام 1907، انتشر استخدامه واتسع ليشمل مختلف نواحي الحياة، وبات التلوث البلاستيكي يشكل في العقود الأخيرة خطرا على البيئة والإنسان، وهو يمثل في الوقت الحالي، وفقا لتقرير أممي، 85% من مجمل النفايات البحرية، مع توقع تضاعف كميته ثلاث مرات بحلول عام 2040.
هذا المضار المتزايد للتلوث البلاستيكي دفع العديد من الجهات أيضا وليس المناطق فقط إلى استبعاده، فقد تبنت بعض المؤسسات التجارية العالمية، التي يمتد عملها الى بعض الدول العربية، سياسة بيئية تهدف إلى تغيير قناعة الجمهور ما يمكن أن يكون في ذلك من مشقة، كما فعلت مجموعة «إيكيا» العالمية للأثاث، حيث بدأت منذ عام 2018 بالتخلص من المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، أكياس التجميد والقمامة والأكواب والأطباق المطلية بالبلاستيك، واستبدالها بمنتجات متعددة الاستخدامات، وكذلك ابتكار منتجات من قصب السكر، وتسعى المجموعة بحلول عام 2030 إلى أن تستخدم فقط المواد المتجددة أو المعاد تدويرها في منتجاتها البلاستيكية!
وبصورة عامة، لابد من إعادة النظر في طريقة الاستخدام الحالية للبلاستيك وتقبل سلوكيات جديدة مثل إعادة التدوير وإعادة التعبئة وغيرها، بعيدا عن إلقائه في مكبات النفايات أو البحار أو حرقه في الهواء الطلق، وأذكر هنا كيف أن بعض المؤسسات والشركات ومنها النوادي الرياضية المشهورة Fitness Planet قد وضعت عدادا يحتسب قارورة بلاستيكية تتم إعادة تعبئتها، والذي سجل تعبئة ملايين القوارير بما حقق التوفير وخفف العبء عن البيئة.
وكان استطلاع البارومتر العربي قد تناول البيئة بسؤال المستجيبين عما إذا كانوا قد قاموا بإعادة استخدام الزجاجات الفارغة لحفظ الماء في البراد وأسباب ذلك، ورغم أن البعض قد يتحفظ على الإجابة عن مثل هذا السؤال حتى لا يوصف بالفقر أو البخل، إلا أن نتائج الاستطلاع قد دلت على أن كثيرين يفعلون ذلك ولاعتبارات أعمق من مجرد التوفير!
ومن بين اثنتي عشرة دولة شملها الاستطلاع، تصدرت الكويت غيرها من حيث نسبة من يعيدون استخدام الزجاجات الفارغة لحماية البيئة والتي بلغت 47%، مقابل 21% لمن يفعلون ذلك للتوفير و20% للراحة الشخصية، في حين تراوحت نسبة من يفعلون ذلك لحماية البيئة في الدول العربية الأخرى بين 1-28%، و40-71% للتوفير.
وتكشف النتائج السابقة عن ارتفاع مستوى الوعي البيئي في الكويت مقارنة بغيرها، وهو الأمر الذي يمكن استثماره بالمزيد من السياسات والإجراءات الحكومية الرشيدة لحماية البيئة في الكويت خاصة تلك البحرية، ولكن مازال استخدام الأكياس البلاستيكية السميكة دون ضوابط ولاسيما في أماكن التسوق دون ضوابط، مما يوحي بأن مرحلة الاستغناء عن البلاستيك ستكون مرحلة طويلة وشاقة ومهمة صعبة أمام مختلف الجهات المعنية بهذه الجريمة البيئية!
[email protected]