عندما نقول الكويت، فهذا يعني تلك الصفحة الناصعة البياض في سجل الزمان، أسرة صغيرة، متحابة، لا فرق بين كبيرها وصغيرها، جميعهم إخوة، وديرة واحدة، مارسوا النقل البحري التجاري، والغوص على اللؤلؤ، حتى أصبح البحر في حياة هذه الأسرة الواحدة كل شيء، وهو عماد الحياة، لدرجة يمكن القول إنه لولا البحر لم تكن الكويت شيئا مذكورا، فالبحر وحّد قلوب أهل الديرة وجعلهم جميعا على قلب رجل واحد، وإلى الآن تعيش الكويت على البحر، وتشرب الأسرة الواحدة من المياه المقطرة منه، وتنقل النفط إلى العالم عبر هذا البحر أيضا.
هذه هي الكويت، الوطن والأرض والناس. وعندما نتحدث عن تأسيس الكويت لابد أيضا من الإبحار في سجل الزمن فسنجد أن الكويت انفردت منذ تأسيسها بمميزات تاريخية نادرا ما تتكرر في التاريخ مرة أخرى، فالكويت لم تحكمها سوى أسرة آل الصباح ولم تقع تحت حروب داخلية، ولم تستول عليها أي دولة في التاريخ قبل الغزو الغادر لها من العراق، ولذلك فإن تاريخ الكويت صفحة ناصعة منذ بدايته.
وقد بدأت صفحاته عندما وقعت خلافات ومنازعات بين القبائل فهاجروا من «الزبارة» إلى «الصبية» مكان معروف شمالي الكويت على ساحل البحر قرب جزيرة بوبيان بسفنهم الكبيرة والصغيرة ومكثوا بها مدة قصيرة لأنها غير صالحة للملاحة، وكانت هجرتهم من قطر ثم هاجروا من «الصبية» إلى «الكوت» بعد الإذن من أمير قبيلة بني خالد ونزلوا حول «الكوت» تحت حمايته، ولا تعرف السنة التي نزلوا فيها حول الكوت تحديدا وإن عرفت بأنها في أول القرن الثاني عشر للهجرة، وهؤلاء المهاجرون هم آل الصباح وغيرهم من الأسر الكويتية الكريمة والجماعات المؤسسة لمدينة الكويت.
وقد أسس هؤلاء المهاجرون مدينة الكويت فبنوا البيوت الطينية والحجرية على أرضها حول الكوت حوالي سنة 1125هـ - 1713م.
ولما كثر عدد المهاجرين إليهم وحدثت الخلافات رأوا أن يؤمروا أحد زعمائهم أميرا على البلدة، فوقع اختيارهم على الشيخ صباح الأول بن جابر جد أسرة آل صباح، وقد وافق على ذلك بعد أن أخذ منهم العهد على السمع والطاعة له بالحق فوافقوه، كما أنهم اشترطوا عليه أن يشاورهم في أمور البلدة.
وبعدما ضعفت دولة بني خالد، اعتمد الكويتيون على أنفسهم في حماية الكويت، فبنوا السور الأول والسور الثاني، واستعدوا بالأسطول الحربي.
وأما السور الثالث الذي هدم سنة 1957 كان قد بني سنة 1328هـ - 1920م في مدة قصيرة - ثلاثة شهور وبضعة أيام - وهو عمل جبار تفخر به الكويت ويسجل لها في التاريخ بمداد الفخر.
وكان عماد الحياة في الكويت على البحر، فمارسوا النقل البحري التجاري، والغوص على اللؤلؤ، ولولا البحر لم تكن الكويت شيئا مذكورا، وإلى الوقت الحاضر تعيش الكويت على البحر في تقطير الماء للشرب، وفي نقل النفط.
وأخيرا، ندعو الله العلي القدير أن يحفظ كويتنا الغالية من كل مكروه تحت ظل الوالد القائد صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ مشعل الأحمد، ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، حفظهم الله.