العثرات جمع عثرة وهي الزلة والكبوة والسقطة، والكرام الأجواد أهل العطاء والبذل، فالكرم مشتق من اسم الله تعالى الكريم، وقد عرفه بعض العلماء بقوله: الكرم إنفاق المال الكثير بسهولة من النفس في الأمور الجليلة القدر الكثيرة النفع، وما من أحد في هذه الدنيا إلا وله عثرة وعثرات، فمن منا سالم من ذلك؟ يقول ابن القرية أيوب بن يزيد: لكل كريم كبوة ولكل صارم نبوة ولكل حليم هفوة، والخير مقرون بالبذل مصداقا لقول الله تعالى: (لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) «آل عمران: 92».
فالله جواد كريم يحب الكرم، ويقيل عثرات الكرام، كما أنها سنة نبوية، فقد أقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عثرة الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة، حينما كتب للمشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما عزم على المسير إلى مكة المكرمة لفتحها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينما جيء بكتابه إلى المشركين له: يا حاطب! ما هذا؟ قال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقا في قريش (حليفا لهم) فأردت أن أتخذ عندهم يدا ليحموا قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقكم، فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
وقد قال ابن عباس بحسب رواية صاحب عيون الأخبار في الجزء الأول: صاحب المعروف لا يقع، وإن وقع وجد متكأ، وفي تاريخنا الإسلامي الكثير من قصص إقالة عثرات الكرام، وأكثر من اشتهر في هذه الصفة الرائعة عكرمة الفياض الربعي والي الجزيرة الفراتية للخليفة سليمان بن عبد الملك، فهو جابر عثرات الكرام وسمي الفياض لشدة كرمه.
وقد روى أكثر من مصدر تاريخي أن رجلا اسمه خزيمة بن بشر الأسدي على درجة كبيرة من السخاء، كثير الصدقات، فخسر كل أمواله وأمسى مفلسا، وضاقت به الحال بعد الجاه والنعمة، فعلم بحاله عكرمة الفياض فطرق عليه الباب ليلا متلثما فلما فتح الباب ناوله كيسا فيه أربعة آلاف دينار، فسأله خزيمة من هو؟ فقال: جابر عثرات الكرام وانطلق، وفي الغد سدد خزيمة ما عليه من ديون وصلح أمره، فعلم الخليفة بالأمر فوهب لعكرمة عشرة آلاف دينار وولاه على الجزيرة الفراتية وأرمينية وأذربيجان إكراما له والقصة طويلة لا يسعها هذا المكان. ودمتم سالمين.