أنا من بسطاء المجتمع، ولا راحة لي إلا في كنف البسطاء، فهم مهجة خاطري، وأجد بهم قرة عيني، وبهجة حياتي، وسلوة فؤادي، ولا ناقة لي ولا جمل في المعارك السياسية لأنها ذات تفاصيل متضاربة يصعب الولوج بها، والعدل بها غامض أحيانا، ويجذبني الحديث الإنساني، والموقف الإنساني، والقلب الإنساني، وكل ما هو إنساني، لأنني أتحسس جيدا حال من يتوجع، وأتلمس بشكل كبير حالة من ضاقت به سبل الحياة، لأنني أعيش في دائرة الحياة الكادحة، فنحن بشر، ولن نبقى بشر حقيقيين حين تتجرد قلوبنا من المشاعر الإنسانية النبيلة.
ذات يوم وأنا متوقف في طابور إحدى الجمعيات من أجل دفع حساب المشتريات سمعت شخصا بجانبي يتحدث مع صديق له، ويسأله عن ابنه المريض الذي كان يعالج في الخارج وحالته خطرة ولم تكتمل فلوس علاجه حينها، فماذا فعل، وماذا حل به، وهل أكمل بالمبلغ وعالج ابنه، فرد عليه قائلا: «جزاه الله خيرا الشيخ ناصر المحمد دفع المبلغ الباقي كله، والولد صحته طيبة وهو الحين متوفق بالمدرسة، وهذا الولد واقف وراك شوفه»!، يا الله.. كم هو جميل هذا الموقف.
أنا لا أعرف الأشخاص والموقف حصل لثوان معدودة، لكنه أثر في نفسي، وهزتني فرحة الأب بابنه، وهزني هذا الفعل الإنساني الرفيع من سمو الشيخ ناصر المحمد، فكم دعا له هذا الأب وكم أثنى عليه، وكم هو فرحان في سلامة ابنه، فشكرا لسمو الإنسان الشيخ ناصر المحمد. فكم كنت رائعا سموك حين كنت سببا لفرحة هذا الأب بابنه، فقد صنعت شيئا عظيما بهم، وفي الحقيقة الأفعال الحسنة ليست بغريبة على أسرة الخير.
إخواني وأخواتي: أحببت أن أنقل لكم ما سمعته من موقف نبيل، حتى يتأسى الناس بهذا الأسلوب الإنساني الرفيع، فالإنسان الميسور الذي لا يرحم الإنسان المعسر هو إنسان فاقد جانب كبير من إنسانيته، أما ذاك الذي يساهم ويساعد ويتألم لحال الموجوع هو الإنسان الحقيقي كامل الإنسانية، فاشعروا ببعضكم البعض، وساهموا في تضميد جراح بعضكم البعض، ولا تمارسوا الأنانية فهي صفة لا إنسانية، (وكونوا عباد الله إخواناً) حديث نبوي -، خصوصا ونحن نستقبل شهر رمضان شهر الأخلاق الطيبة والكريمة.
ختاما: وحول المعاني الإنسانية النبيلة التي حوتها هذه المقالة كتبت هذه القصيدة وأقول بها:
الطيب يبقى والمناصب تزولي
ومن حط له طيب مع الناس رابح
ناس تعيش وحالها في نزولي
وناس لها صيت على الراس واضح
كم واحد عايش يصول ويجولي
ماله ذكر.. منبوذ.. ما كان صالح
يمشي مع العالم بليا قبولي
مكروه بين الناس.. بالدون طافح
وكم واحد عايش وتارك فعولي
يمدح بها كل يوم مليون مادح
رجل على الجزلات دوم عجولي
ورجل عن افعال الجزيلات جانح
وما كل يدي للمراجل تطولي
وما كل عقل بين الأجساد راجح
hanialnbhan@