العقل زينة الإنسان وحليته، ميزه الله به عما سواه من سائر المخلوقات، وله شواهد في القرآن، ومنها قول الله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) «الإسراء: 70»، وربما أشير إلى العقل باللب وهما سيان، فالعقل دليل عظمة الله تعالى وهادي الإنسان سبيل الرشاد، وفي ذلك يقول أبوالفتح البستي:
سل الله عقلا نافعا واستعذ به
عن الجهل تسأل خير معط لسائل
فبالعقل تستوفي الفضائل كلها
كما الجهل مستوف جميع الرذائل
ولأهمية العقل، قالوا في الأمثال: عدو عاقل خير من صديق جاهل، وبموازاة ذلك، نجد أناسا يملكون عقولا ولكنها فارغة، تجدهم يثيرون المشاكل ويفتعلونها بسبب وبغير سبب، وهم من يقال لهم الرعاع، الذين تعودوا الغوغائية، وعندما تنصت لما بقولونه تجدهم يستخدمون أسوأ الألفاظ، ومن خصائصهم التحريض وإثارة الفتن، يقول الإمام على رضي الله عنه كما ورد في نهج البلاغة: «هم الذين إذا اجتمعوا أضروا، وإذا تفرغوا نفعوا، قيل: قد عرفنا مضرة اجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ فقال: يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم، فينتفع الناس بهم، كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه» والعجيب حقا أن غواة المشاكل ليست لهم خصومة ظاهرة، ولكن الله كتب عليهم الشقاء، فعشقوا الفوضى وتسابقوا عليها، فهم مجتمعون على مضرة الناس، مختلفون على كل ما فيه مصلحة وخير، لأنهم ليسوا أهلا لها، وما من غوغائية إلا وأساسها الفوضى، فحتى حقوقهم يدافعون عنها بطريقة تفتقر إلى العقل والحكمة، فما أجمل الرشد والتعقل، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «قد أفلح من جعل الله له عقلا».
ويقول الرجل الصالح وهب بن منبه الصنعاني: قرأت في بعض ما أنزل الله تعالى: «إن الشيطان لم يكابد شيئا أشد عليه من مؤمن عاقل، وإنه ليسوق مئة جاهل فيستجرهم حتى يركب رقابهم فينقادون له حيث شاء، ويكابد المؤمن العاقل فيصعب عليه، حتى ينال منه شيئا».
وقد روي أن عيينة بن حصن الفزاري طلب من ابن أخيه الحر بن قيس وهو من القراء ومن صالحي قومه أن يدخله على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأدخله عليه فقال عيينة: «هيه يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر غضبا شديدا حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) «الأعراف: 199»، وإن هذا من الجاهلين، فأعرض عنه، فما أجمل العقل يا مسلمين ودمتم سالمين.