عالم الأندلس محمد بن أحمد ابن رشد صاحب هذه المقولة التي مازالت تردد حتى يومنا هذا، ولا شك أن العجول كثير السقطات، كثير الأخطاء وقليل التقدير لعواقب الأمور، وكأنه لم يسمع يوما أن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، فلا يحضر مجلسا فيه حديث إلا أربك من يتحدث، لذلك كانت العرب يسمون العجلة أم الندامة وهي كذلك، والأمثال على العجلة كثيرة وأكثر من أن تعدّ فقد تعجل نبي الله موسى في تأنيب الخضر ولومه على ما فعله فحرم نفسه وحرمنا من علم غزير ننتفع به، كما تعجل أيضا في الحكم لما استنصره الرجل الذي من شيعته فنصره وقتل الرجل الآخر فندم ندما شديدا واصبح في المدينة خائفا يترقب، وقد خلق الإنسان من عجل، مصداقا لقول المولى عز وجل: (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ) «الأنبياء: 37».
وقال تعالى: خلق الإنسان عجولا، الإسراء: 11، وقد سبق البشر كلهم إلى العجلة أبونا آدم عليه السلام أول الأنبياء فوثب عجلان إلى ثمار الجنة قبل أن تبلغ روحه رجليه عند خلقه.
من هنا أقول إن التأني من الرحمن، والعجلة من الشيطان فلا تكن عجلا قدر استطاعتك، وان لم تستطع ذلك فكن وسطا، ولا تستعجلن رزقك فإنما رزقكم في السماء وما توعدون، وحتى في حكمك على غيرك تريث وتأنّ ولا تستعجل فربما حكمت حكما يجعلك تحمل إثما ووزرا أنت في غنى عنه، وأيضا لا تعجل في مدح أحد فربما أخلف ظنك واحتجت لذمه، عندها لا يكون لرأيك اعتبار وتكون ناقضت نفسك بنفسك، فتصبح في عداد الكذبة، وهذه نتيجة العجلة، وحتى في دعائنا نستعجل الإجابة والله تعالى أقرب لنا من حبل الوريد، ولو صبرنا لكان خيرا لنا، وعلى الضد مما ذكرت فهناك عجلة محمودة وهي في الطاعة والبر وفعل الخير.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: التؤدة في كل شي إلا عمل الآخرة (صحيح أبو داود) فالرفق في الأمور لا يأتي إلا بالخير لذلك يقول النابغة الذبياني:
فالرفق يمن والأناة سعادة
فتأنّ في أمر تنال نجاحا
هذا ودمتم سالمين.