«سدرة اللؤلؤ».. الكويت كما رآها الآخرون، هكـذا انطلق العرض المسرحي التاريخي (سدرة اللؤلؤ) الذي تضمن 8 مشاهد مبهرة جسدت أهم الأحداث التاريخية التي مرت على الكويت منذ عصر الإغريق حتى وقتنا الحاضر وذلك بمشاركة نجوم الكويت الكبار والشباب، وهو من تقديم وزارة الاعلام بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وتصدى لإخراجه عبدالله عبدالرسول، حيث سلط المشهد الأول في العرض المسرحي على شجرة السدرة التي توسطت المسرح، وأصبحت رمزا لالتقاء الماضي وزمان الأرض وتاريخ الوطن بالمستقبل المشرق الواعد.
وتناول المشهد الثاني من العمل الذي ألفه الكاتب محمد الرباح وشهد مشاركة نخبة من الفنانين الكويتيين، التدوين الجغرافي للكويت عبر الأزمنة من قبل رحالة وعلماء الجغرافيا انطلاقا من أحد مؤسسي الجغرافيا الحديثة أبي عبدالله الإدريسي وصولا إلى الرحالة الألماني كارستن نيبور الذي عاصر نشأة الكويت ووثق اسمها لأول مرة في خريطته.
وتابع المشهد الثالث التاريخ الكويتي وحملات التنقيب الأولى في جزيرة فيلكا في منتصف القرن الماضي والتي أسفرت عن اكتشاف وجود الحضارة الإغريقية، حيث كان يطلق عليها «إيكاروس» أو جزيرة الجمال.
وركز المشهد الرابع من أوبريت (سدرة اللؤلؤ) على الشعراء العرب وذكرهم للكويت التي كانت يطلق عليها (كاظمة) قبل مئات السنين ومنهم الفرزدق وجرير والإمام البوصيري مرورا بعزام باشا الذي شغل منصب أول أمين عام لجامعة الدول العربية في القرن العشرين، وذكر كيف تبوأت كاظمة مكانة مرموقة في الأدب العربي، وكيف كانت منبتا وموطنا للمبدعين في مجالات عدة.
وصور المشهد الخامس الكويت كما رآها العالم قبل حوالي 300 عام عارضا العديد من الوثائق وصفحات الصحف العالمية التي ذكرت الدولة وصولا بالرحالة الدمشقي مرتضى بن علوان، ومسافرا بالجمهور لحقبة مؤسس الدولة الحديثة أمير الكويت الراحل الشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير).
ثم انتقل الأوبريت الى المشهد السادس واهتمام الكويت بالعلم والثقافة مبكرا وإنشاء المدرسة المباركية مطلع القرن الماضي، بما يعكس الإيمان بأن التعليم أهم سبل النجاح والتقدم للشعوب قبل أن يتوجه بنا المشهد السابع إلى «أبناء السندباد» المستوحى من كتاب الرحالة الأسترالي آلان فليرز (الإبحار مع أبناء السندباد) حيث وثق وهو على متن سفينة تجارية بعدسة كاميرته ملامح حياة الكويت من موسيقى واعتمادهم على البحر والبر في قوتهم.
واختتم الأوبريت بلوحة درامية وثقت مظاهر الحياة في الكويت وصورت كيف ظلت الكويت على مدار التاريخ بلاد النور والسلام والكفاح وكيف استمرت نهضتها تحت ظل قيادتها الحكيمة لتبقى مكانتها دوما بلاد الحضارة والتاريخ والسلام بين العالم.
يذكر ان «سدرة اللؤلؤ» كتب حواره والبحث التاريخي محمد الرباح، فيما تمت مراجعة المعلومات التاريخية من قبل مركز البحوث والدراسات الكويتية.
وشارك فيه الفنانون سعاد عبدالله ومحمد المنصور وجاسم النبهان وحسين المنصور وعبدالعزيز المسلم وطارق العلي ونادر الحساوي وميثم بدر ويوسف الحشاش وفاطمة الطباخ والطفلة زينة الصفار وعبدالعزيز بهبهاني وحمد العماني وحمد اشكناني وحسن ابراهيم، كما شارك في أداء الأغاني المطربون عبدالله الرويشد ونوال وسلمان العماري وشيماء سليمان وشهد العميري.
رحلة وطن في أعماق التاريخ
تواجدت «الأنباء» في كواليس مسرح مركز جابر الأحمد الثقافي عقب نهاية العرض المبهر «سدرة اللؤلؤ»، ورصدت الكثير من اللقطات المهمة والطريفة، وكانت البداية مع وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عبدالرحمن المطيري الذي حرص عقب انتهاء العرض على تهنئة كل المشاركين في العمل، قائلا لهم: «عساكم على القوة على جهودكم»، كاشفا لهم عن أن ضيوف المهرجان من وزراء الإعلام العربي الذين شاهدوا الأوبريت أشادوا بما قدموه، ولم يبدوا أي ملاحظة، مؤكدا أن هذا الأمر وضع القائمين على المهرجان في تحد صعب في تقديم عمل أقوى العام المقبل.
٭ النجمة الكبيرة مريم الصالح كانت حريصة على تهنئة زملائها عقب انتهاء العرض على أدائهم المميز، وأشادت بالدعم الكبير من قبل وزير الإعلام حتى يخرج العرض بهذا الشكل الرائع.
٭ المطرب الكبير عبدالله الرويشد حرص على تهنئة كل زملائه من النجوم المشاركين في الأوبريت على أدائهم المميز وتقديمهم عملا فنيا راقيا يليق بمكانة الكويت الكبيرة على المستوى الفني والثقافي، وحرص على تلبية طلب العشرات لالتقاط صور تذكارية معه عقب نهاية العرض.
٭ مخرج الأوبريت وصاحب فكرته وعمل البناء الدرامي له المخرج عبدالله عبدالرسول كان له نصيب الأسد من إشادة الجميع له على ظهور العرض بهذا الشكل الراقي وعلى رأسهم وزير الإعلام الذي كشف عن أن العمل كان من المفترض أن تشارك به الكويت في معرض إكسبو دبي، لكن ضيق الوقت لم يسعفهم لتقديمه حتى ظهر للنور حاليا.
٭ الفنان طارق العلي كان «ملح الكواليس» وأشاع أجواء من البهجة بخفة دمه، فعندما وجد وزير الإعلام يشيد بدور المخرج عبدالله عبدالرسول ويطالبه بتقديم عمل العام المقبل لا يقل عن «سدرة اللؤلؤ» بل يكون أفضل تدخل العلي في الحوار قائلا: سعادة الوزير وفروا له ميزانية «سنعة» حتى يقدم عملا أقوى، فرد الوزير: واضح أنكم متفقون معا على هذا الكلام، فضج المكان بالضحك.
٭ دار حديث طريف بين المطربة نوال الكويتية والفنان طارق العلي الذي جسّد في الأوبريت دور الشاعر «الفرزدق»، حيث قالت له نوال: «خلك باللحية كما ظهرت بها في الأوبريت شكلك أحلى»، فرد عليها طارق بعفوية شديدة: «خلني أسأل أم محمد (زوجته) وآخذ رأيها أولا»، فضحكت نوال وكل المتواجدين في الكواليس.
٭ استحقت شركة «كوندور» الشركة المنفذة والمشرفة على «الأوبريت» إشادة وإعجاب كل من شاهد هذا العمل الذي شارك فيه نحو 200 شخص، وحظي الرئيس التنفيذي للشركة ناصر السعدون بالكثير من كلمات الإطراء على الجهد وعلى الديكور الرائع واللوحات الثماني التي ضمها الأوبريت التي أضفت متعة بصرية مبهرة نادرا ما نشاهدها في أعمالنا الفنية، ما يؤكد على تفوق «كوندور» في هذا المجال، وتقديم عرض ينافس العروض العالمية.
٭ قدم المطربون المشاركون في الأوبريت افضل ما لديهم من أداء نال إعجاب وتصفيق الحضور، وهم عبدالله الرويشد، نوال الكويتية، سلمان العماري، ومن الشباب تألق ابراهيم دشتي وشيماء سليمان في لوحة «صوت السلام»، حيث غنت شيماء باللغة الإنجليزية، من كلمات أنفال العوضي، بالاضافة الى الاداء المتميز لكل من بدر نوري وشهد العميري وزينة الصفار.
٭ بذل مدير العمليات الفنية للأوبريت الزميل علي كمال مجهودا كبيرا وكان من عوامل نجاح العرض مع فريق مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي بقيادة المراقب العام خالد علي عبدالكريم.
قالو عن «سدرة اللؤلؤ»
حرص عدد من الضيوف على التعبير عن سعادتهم بمشاهدة العرض المسرحي التاريخي «سدرة اللؤلؤ»، حيث قال المسرحي البحريني خالد الرويعي: سدرة اللؤلؤ، محطات تمر بنا بتلك اللآلئ التي زينت صدر تاريخ الكويت، وبفرجة مناسبة للجميع تمكن العرض من إعادة إحياء المحطات التاريخية بطريقة سلسلة، فكان الاعتناء بالأزياء القديمة والديكورات الملائمة للفترة التي تدور فيها الأحداث مناسبة جدا للعرض، وتم تجسيد الشخصيات التاريخية بشكل متقن.
الجميل في العرض هو فرصة التعلم الذي يقدمه للجمهور عبر الكثير من الأحداث التاريخية والشخصيات المهمة التي شكلت تلك الفترة.
الانتماء للوطن
بينما قال المخرج المصري مازن الغرباوي: مما لاشك فيه أن الكويت بتاريخها العريق في المسرح والفنون تحتل مكانة متميزة بين الأمم وخاصة مسيرة الكويت مع «أبو الفنون» واهتمام الكويت عبر العصور والأزمنة المختلفة بالثقافة والمسرح يشكل معادلة تتجسد اليوم على خشبة مسرح أوبرا الكويت في العمل الملحمي «سدرة اللؤلؤ» لصاحب الفكرة والحوار والإخراج المبدع القدير عبدالله عبد الرسول.
واضاف: سدرة اللؤلؤ هذا العمل الفني الضخم على مستوى الصناعة المسرحية استطاع عبد الرسول صاحب الفكرة والحوار أن يخرج من ثنايا البيئة الكويتية القديمة امتدادا للتاريخ وتجسيدا للكويت كما رآها الآخرون عبر الأزمنة.
استطاع عبدالله عبدالرسول أن يمرر كل قيم الولاء والانتماء لقيمة الوطن فأعطى درسا للجميع ليس فقط للكويتيين ولكن لكل من حضر ويؤكد هذا العرض الفني الكبير على الأثر العظيم بالفن الرابع الذي يستطيع أن يؤثر في وجدان وعقول الشعوب ويشارك في صناعة مستقبل أمثل للشعوب، ولاشك أن حضور رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح أعطى حافزا قويا لكامل فريق العمل.
رمز الصمود
وقال المخرج الاردني علي عليان: ان «السدرة» شجرة في كل بيت رمز لحياة الصحراء تنبت في ظل الحر والجفاف، وفي الموروث الشعبي الكويتي اصبح هناك تمازج وألفة بين الناس وهذه الشجرة حتى صارت مرآة واحدة للطبيعة ورمزا للصمود والصبر وقوة احتمال قسوة الطبيعة، واللؤلؤ المكنون غائص في اعماق البحر.
واضاف: في التناول المرئي في مركز الشيخ جابر الأحمد في دار الاوبرا وعلى المسرح الكبير كان العرض الفني الضخم تحت نفس المسمى في المتن «سدرة اللؤلؤ» يحاكي ما قاله الآخرون عبر الازمنة عن تاريخ الكويت.
الملحمة الشعرية كنص حاكى التاريخ بتدرج مئات السنين.
عرض نوعي
وقدم رئيس فرقة مسرح الدن للثقافة والفن محمد بن سالم النبهاني الشكر والتقدير لوزارة الاعلام والثقافة على دعوتها الكريمة لحضور العرض وقال: العرض المسرحي نوعي في طرحه ورسالته وأهدافه والذي نفذ بتقنيات مسرحية عالية وإبهار بصري أخاذ واستعراضات درامية متقنة، حيث إن هذا العرض الملحمي وبعدد النجوم الذين شاركوا فيه استطاع أن يسلط الضوء على نقاط ذهبية في تاريخ الكويت منذ القدم وحتى العصر المزدهر وركز العرض على تقديم جزء مهم من سيرة الكويت العطرة المطرزة بنسيج المحبة والسلام.
درب العلياء
بينما قال المسرحي السعودي سامي الزهراني: لقد عشنا رحلة تاريخية مميزة ومتفردة في عرض «سدرة اللؤلؤ» هذه السدرة التي تمثل تاريخ الكويت العريق الثابت الجذور عبر الأزمان المثمرة حبات من لؤلؤ مضيء ينير الطريق لأجيال قادمة تسير على درب العلياء والشموخ، محطات تأريخية مهمة في سيرة الكويت العريقة توقفت عندها المسرحية وسلطت الضوء عليها، تمازج الاداء التمثيلي المبهر من نجوم الكويت الذين استطاعوا إيصال الشخصيات بشكل رائع جعل الجمهور يشعر بالانجذاب نحوهم بشكل احترافي، المقطوعات الموسيقية المليئة بالإحساس التي استطاعت أن تسهم في نقل الرسالة التي يحملها العرض، مع القصائد الشعرية الرائعة الصياغة في اختيار المفردات والصور الشعرية المؤثرة، الغناء الرائع والشجي من الفنان عبدالله الرويشد والفنانة نوال لامس شغاف القلب بصورة جذابة، الإضاءة الاحترافية المثالية في العرض أعطت لمسة تشكيلية بارعة وأضافت تأثيرات درامية مميزة للعرض، حركة الممثلين والمجاميع، استخدام التقنية في أعلى صورها أدخل الجمهور في عوالم خيالية أثارت الاعجاب، الأزياء تتماهى مع كل الحقبات الزمنية في العرض، الديكور السلس الموظف بشكل مميز من قبل مخرج العرض ترك إنطباعا إيجابيا لدى الجمهور الحاضر.