لا يخفى على أحد عظم منزلة الوالدين التي أوصى بها الله في آياته، وأوصى بها النبي الكريم ﷺ في الأحاديث الشريفة، فمنزلة الوالدين جاءت بعد الدعوة لعبادة الله، فقد قال جل شأنه:
(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا).
وقال النبي ﷺ: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف»، قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة».
إذن منزلة الوالدين لا تحتاج إلى إيضاح وشرح، فهي معلومة لدى الجميع.
إخوتي الكرام.. إن الأم شيء عظيم، وقلب الأم كيان فريد يحوي فيضا من الحنان والرحمة والعطف يصعب وصفها وشرحها، فالأم نبع لا ينضب من المحبة، ونهر متدفق لا يتوقف من العطف، فهي ملح الحياة ونورها الذي ينير الكون بأسره.
فارحموا الأم، وارحموا الأب أيضا، وكونوا لهما خير سند وخير عون عند الكبر، حتى تجدوا رحمة الله تحفكم من كل جانب، واحذروا ثم تحذروا التقصير بحقيهما، فمن ضيع واحدا منهما فقد خسر خسرانا مبينا.
ومن يشاهد حديث بعض الذين فقدوا حنان الأم أو فقدوا مكان الأب، فإنه سوف يشاهد الحسرة والألم في كلماتهم، فهم يتحسرون ويتألمون لأنهم يتمنون وجود والديهم على قيد الحياة، حتى يبالغوا في برهم ورعايتهم، ويتألمون جدا عندما يرون أي تقصير يبدر من شباب اليوم نحو الآباء.
وأنا شخصيا أذكر ذات مرة أنني رأيت أحد الأشخاص يعامل (أباه) بطريقة لا أخلاقية، فحزنت على حاله كثيرا !، لأنه لم يدرك نعمة (وجود الأب)، وتذكرت والدي (عبدالرزاق) رحمه الله الذي فقدته وأنا بعمر أقل من (13) سنة، وقلت في نفسي كم أنت في نعمة ولكن لم تدرك هذه النعمة جيدا.. وأنشدت قائلا:
ليتك يا بوي اليوم حي مع الناس
والله لحطك فوق راسي واداريك
واحج فيك البيت يا طيب الساس
واطوف بك واجعل يديني مواطيك
ولكن العوض بوجود الأم والحمد لله، والذي أسأل الله أن يبقيها لي في صحة وعافية وعمر مديد مبارك، فهي أم عظيمة في كل المقاييس، ولها مواقف عطوفة ورحومة و(حنينة)، فكم هي مباركة أمي (فاطمة) حفظها الله وبارك فيها.
ومن مواقفها (الحنينة) الحديثة: كنت بمعيتها -حفظها الله- ذات يوم نزور المستوصف لفحص «السكر والضغط»، فاتجهنا للجلوس على الكراسي، وقد لمحت هي في عينيها من بعيد أن أحد الكراسي ليس به نظافة كافية ويبدو عليه بعض الأصباغ، وإذا بها تسرع الخطى نحو الكرسي حتى تجلس عليه قبلي!، فتساءلت واعترضت، فباغتتني، وقامت بالجلوس على هذا الكرسي رغما عني، وقالت (والله يا وليدي ما تقعد على هالكرسي عشان ما يوسخ ملابسك)! وأصرت إصرارا كبيرا!.
هو موقف بسيط، ولكن له معان عظيمة تدل دلالة قطعية على أن الأم نبع من الحنان لا ينضب، وهي رمز التضحية العظيم، فاللهم احفظها واحفظ جميع أمهاتنا..
لذلك بروا بهم، بروا بهم، فهذا واجب عليكم، وليس خيارا لكم.
وإلى صاحبة المنزلة العظيمة حبيبتي أمي أقول:
يلي سكنتي في حشاي وفؤادي
يا أمي يلي ما تقاسين بـ أمه
أنتي هواي وبسمتك لي زادي
وبوسة رجولك باب للخير يمه.
hanialnbhan@