نستكمل ما بدأناه حول شخصية الشاعر د.عبدالعزيز سعود البابطين، وما قدمه من مجهودات يصعب على بعض المؤسسات الرسمية تحمل مسؤوليتها، ولكن بمثابرته وتصميمه على المضي قدما نحو أهدافه، تحقق المأمول، وها هي منجزاته تطوف العالم، وتثري الثقافة العربية والعالمية بمزيد من التطور والرقي.
وسنخصص هذه المساحة لمنجزه المهم، الذي يعد علامة فارقة في تاريخ الشعر العربي، إنه «معاجم البابطين الشعرية»، الذي أضاف قيمة حقيقية لمجموعة الإصدارات التي أصبحت مرجعا مهما في المكتبات العربية، للدارسين والباحثين والمهتمين بالشأن الشعري.
وخلص الباحث ماجد الحكواتي في كتابه «قصة معاجم البابطين الشعرية»، إلى العديد من المفاهيم والأهداف التي من أجلها سعى البابطين إلى إصدار تلك المعاجم، والتي بدأها بمعجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين والذي أنجز عام 1995م، في ستة مجلدات، وفي عام 2002م أصدرت المؤسسة طبعة ثانية منه، مزيدة بنسختين ورقية وإلكترونية، والطبعة الثالثة صدرت عام 2014م، كي يصبح العدد عشرة مجلدات بعد إضافة شعراء جدد.
بالإضافة إلى المعجم الثاني «معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين»، واستغرق العمل فيه 11 عاما من الجهد والبحث المتواصل، حيث صدر كاملا عام 2008م، في 15 مجلدا شاملا تراجم أكثر من ثمانية آلاف شاعر.
بالإضافة إلى «معجم البابطين لشعراء العربية في عصر الدول والإمارات»، الذي احتفت مؤسسة البابطين الثقافية بإصداره خلال دورتها الأخيرة التي أقيمت منذ أيام في مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي.
ومن خلال هذه الإنجازات التي قدمها البابطين، بمجهود فردي عبر مؤسسته الثقافية - وما تتضمنه من باحثين وأكاديميين ومبدعين ومثقفين متميزين على مستوى العالم العربي - يمكننا القول: إن هذه المعاجم كان لها الأثر الفعال والفاعل، في تحريك سكون الشعر العربي، الذي كان مهددا بالأفول نتيجة لما كان يحيق به من تحديات صعبة وخطرة، لعل من أهمها انشغال الجمهور بأجناس أدبية أخرى من أبرزها الرواية، التي جعلها البعض ديوان العرب، ساحبا من الشعر هذه الصفة، ولقد استمر الأمر ساريا إلى أن جاءت تلك الخطوات التي أعادت للشعر مكانته واعتباره، ليصبح له منابر مهمة على مستوى العالم أجمع.
ومن التحديات التي واجهت وتواجه الشعر - خصوصا العمودي منه الذي يلتزم بالوزن والقافية - انجذاب الشعراء المعاصرين بأشكال شعرية أخرى تخلو من الوزن والقافية، مع إهمال الشكل الذي توارثناه من الأقدمين، والذي يحتاج إلى التطوير وليس الإهمال، والبابطين نجح في أن يكون للشعر العربي الأصيل موقعه المتميز، وأن يعود مرة أخرى إلى ساحة المنافسة.
إن هذه الإصدارات التي تتصدى لنشرها مؤسسة البابطين الثقافية، تتوافق تماما مع ما تحتاج إليه الثقافة العربية من انتشار، من أجل الإسهام في تأكيد المفاهيم والرؤى المتعلقة بالثقافة في أجمل صورها.