بالتزامن مع انهيار بنك «سيليكون فالي»، هرب المودعون من البنوك الأميركية الصغيرة ومتوسطة الحجم ـ وبعضهم هرب بعيدا تماما ـ بحثا عن ملاذات آمنة، خاصة أن الأزمة المصاحبة تسببت في اضطرابات حادة لأسواق المال.
في يوم 10 مارس، عندما فرضت الحراسة على «سيليكون فالي بنك»، كانت السلطات تعتقد أنه سيكون قادرا على تلبية الودائع المطلوب سحبها، لكن تبين لاحقا أنه لا يستطيع.
وبحسب موقع «أرقام»، كشفت طلبات العملاء عن حاجة البنك لرد ما مجموعه 100 مليار دولار خلال ذلك اليوم، وهو ما لم يكن متاحا لديه، إذ يأتي بعد سحب 42 مليار دولار من الودائع خلال 6 ساعات في اليوم السابق.
بعد قرار إغلاق البنك في ذلك اليوم، بدأت الأزمة تشتد في مصارف أخرى، حتى أن «فيرست ريبابليك بنك» سجل تدفقات خارجة بأكثر من 70 مليار دولار خلال أيام قليلة، وهو ما يعادل 40% من إجمالي الودائع لديه.
ووفقا لتقديرات بنك الاستثمار «جيه بي مورجان»، فإن البنوك الأميركية ذات الأعمال الأكثر ضعفا فقدت ودائع بقيمة تريليون دولار، ورغم أن جزءا من هذه الأموال تدفق إلى مصارف أكبر فإن بعضها ذهب إلى مناطق أخرى بدافع القلق.
أين وجّه الأثرياء أموالهم؟
ينقل المستثمرون الأثرياء ومكاتب إدارة ثروات العائلات المزيد من أموالهم من الأرصدة النقدية للبنوك إلى سندات الخزانة وصناديق النقد وغيرها من الأدوات قصيرة الأجل، وفقا لشركات الاستشارات المالية، لكن عادة ما يحتفظ المستثمرون أصحاب الثروات العالية بملايين الدولارات أو حتى عشرات الملايين نقدا في حساباتهم المصرفية، لتغطية الفواتير والنفقات غير المتوقعة، وغالبا ما تكون أرصدتهم أعلى بكثير من حد التأمين الفيدرالي البالغ 250 ألف دولار.
وبعد انهيار بنك «السيليكون فالي» والاضطرابات التي ظهرت في شبكة البنوك الإقليمية الأميركية، قال مستشارو إدارة الثروات إن العديد من العملاء يطرحون الآن أسئلة أساسية حول كيفية ومكان الاحتفاظ بأموالهم.
في هذا الصدد، قال «مايكل زونر» الشريك الإداري في شركة «وي فاميلي» التي تقدم المشورة للمستثمرين الأثرياء والمكاتب العائلية، إنه بالتزامن مع انهيار «سيليكون فالي» كان هناك الكثير من القلق، فالأسئلة التي تلقاها «زونر» مباشرة يومي السبت والأحد (التاليين لفرض الحراسة على البنك) من العملاء كانت تدور حول توزيع الأموال على الأصول، وهل أموالهم مدرجة في الميزانية العمومية للبنك أم لا؟
تحول سريع
أما «باتريك دواير» المدير العام لشركة «نيو إيدج ويلز» لإدارة الثروات، فقال «لقد كان ذلك «يقصد انهيار البنك» دعوة حقيقية للاستيقاظ للأفراد من أصحاب الثروات المرتفعة الذين يحتفظون بالكاش»، حيث أدت الأزمة إلى تسريع وتوسيع نطاق تحول المستثمرين الأثرياء من الإبقاء على النقد في أرصدة البنوك إلى سندات الخزانة وصناديق النقد.
لكن ومع الرفع السريع للفائدة، تقدم سندات الخزانة وأسواق النقد الآن عائدا خاليا من المخاطر بنسبة 4% أو 5%، وغالبا ما يتضاعف العائد على حساب التوفير، ونتيجة لذلك، كان المستثمرون الأثرياء ومكاتب الثروات العائلية ينقلون جميع أرصدتهم النقدية باستثناء جزء صغير منها إلى استثمارات ذات عائد نقدي أعلى، والتي لا تكون عادة في الميزانية العمومية للبنوك.
في الوقت نفسه، بدأ العديد من كبار المستثمرين بسحب الأموال من الأسهم والاستثمارات الأخرى بسبب المخاوف من ارتفاع أسعار الفائدة والركود المحتمل.
البحث عن الربح والأمان
وظل الكاش لسنوات عديدة غير مثير للاهتمام، لأنه لا يحقق عوائد، لكن في العام الماضي، ومع رفع الفائدة والخوف من الركود، بدأ الكثيرون الابتعاد عن المخاطرة وتحولوا إلى الكاش، ما جعله فجأة أكثر أهمية في المحافظ الاستثمارية، ووفقا لـ «زونر» فإن استثمار الأموال في سندات الخزانة والأدوات المالية الأخرى لا يدرجها بالميزانية العمومية للبنك، وبالتالي لا يعرضها للخطر في حال انهيار المصرف، ناهيك عن أن بعض كبار المستثمرين قد ابتعدوا تماما عن البنوك، وحولوا أموالهم إلى حسابات وصاية في شركات الوساطة وشركات مثل «فيديليتي» و«بيرشينج»، التي يقولون إنها توفر معظم مزايا الحساب المصرفي، لكن دون نفس المخاطر ومع مرونة أكبر.
مع ذلك، يتوقع المستشارون الماليون أن يستمر الأثرياء ومكاتب إدارة الثروات في الاعتماد على البنوك للحصول على القروض والرهون العقارية، لكن ربما تختفي طلبات البنوك لهم بإجراء علاقات مصرفية أو إيداع الأموال لديها أولا.
قال «دواير» إن العملاء يدركون أيضا أنه يمكنهم عادة الحصول على قروض جيدة الأسعار من بنوك عدة، وبالتالي لا يتعين عليهم تعريض ودائعهم النقدية للخطر، ووفقا لـ «دواير» أيضا، تدرك العائلات الثرية أن هناك 4 آلاف بنك في الولايات المتحدة، لذا فإن شخصا ما سيقرضها المال عندما تحتاج إليه.