تحرص كثير من المسلمات على اداء الصلاة جماعة في المساجد، وقد جهزت لهن غرف مغلقة ملحقة بالمسجد متوافرة في جميع مساجد الكويت، والسؤال: هل الفصل بين الرجال والنساء على هذا النحو يجوز رغم ان هذا الأمر لم يكن موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
في البداية، يرى الشيخ د.محمد الحمود النجدي انه يجوز للمرأة وللرجل ايضا ان يصليا مع الجماعة في المسجد وإن لم يريا الإمام اذا امكنهما الاقتداء به، فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن ان يقتدين بالإمام فإنه يصح ان يصلين الجماعة مع الإمام، لأن المكان واحد والاقتداء ممكن، سواء عن طريق مكبر الصوت او عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه، او بصوت المبلغ عنه، ولا يضر اذا كان النساء لا يرين الامام ولا المأمومين، لافتا إلى ان الشرع يدعو الى تحقيق المباعدة بين النساء والرجال في المسجد وغيره ومنع حدوث الاختلاط بينهما.
ضرورة الفصل
من جانبه، يقول د.فيصل علوش العتيبي: جاء الاسلام في شأن صلاة النساء والرجال في المساجد بتحقيق المباعدة بينهم ومنع حدوث اي اختلاط قد يحدث، ومما يؤيد هذا: ان ام سلمة رضي الله عنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث يسيرا قبل ان يقوم»، قال ابن شهاب «فأرى والله اعلم ان مكثه لكي ينفذ النساء قبل ان يدركهن من انصرف من القوم» (رواه البخاري).
وعنها ايضا «ان النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن اذا سلمن من المكتوبة، قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال» (رواه البخاري).
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: «وفي الحديث مراعاة الامام احوال المأمومين، والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي الى المحذور، وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت» (فتح الباري 2/336).
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها» (رواه مسلم).
قال النووي رحمه الله تعالى: أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وانما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وذم اول صفوفهن لعكس ذلك، والله اعلم.
ليس بدعة
وأكد أن الاحكام انما شرعت من باب سد ذرائع الفتنة، والذرائع تختلف قوة وضعفا من وقت الى آخر، ومن مجتمع الى آخر، ولهذا فإن طرق سدها قد تختلف باختلاف قوة هذه الذرائع وضعفها، ومما يشير الى هذا قول عائشة رضي الله عنها: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد، كما منعت نساء بني اسرائيل (رواه البخاري ومسلم واللفظ له).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى: تشير عائشة رضي الله عنها الى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يرخص في بعض ما يرخص فيه، حيث لم يكن في زمنه فساد، ثم يطرأ الفساد ويحدث بعده، فلو ادرك ما حدث بعده، لما استمر على الرخصة، بل نهى عنه، فإنه انما يأمر بالصلاح، وينهى عن الفساد (فتح الباري 8/41).
واكد ان عدم وجود حاجز في المسجد بين الرجال والنساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن سببه عدم مشروعية مثل هذا الحاجز، وانما سببه عدم الحاجة اليه، فإذا وجدت الحاجة بعده كان وجوده مشروعا، بحسب الحال، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يصلين، وليس بينهن وبين الرجال حاجز، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ندب الى شيئين: الشيء الاول انه قال «بيوتهن خير لهن»، مع سلامة الناس في ذلك الوقت، فالصحابة هم خير القرون، ومع ذلك قال «وبيوتهن خير لهن»، وهذا يعني ان صلاة المرأة في بيتها افضل، ثانيا: انه قال «خير صفوف النساء آخرها وشرها اولها»، وهذا يدل على ان الافضل ان تبتعد المرأة عن مخالطة الرجل، هذه واحدة، اما انه ليس بينهما من حاجز، فهل المساجد في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كمساجدنا اليوم في الاضاءة والانارة؟ فلا، وهل نساء الصحابة كنساء اليوم: لا. (لقاء الباب المفتوح 22/218).وبهذا، يتبين ان اقامة فاصل بين النساء والرجال في المسجد، سواء كان جدارا ام غرفة ام غيره عند وجود الحاجة الداعية اليه ليس من البدع، بل هو من باب المصالح المرسلة التي اتى الشرع باعتبارها، وعليه فإن صلاة النساء في المسجد في غرفة منفصلة عن مكان الرجال وكذلك لو كانت في الطابق الثاني ـ مثلا ـ فلا بأس به، وتحصل المتابعة للإمام بسماع صوته عن طريق مكبرات الصوت حتى لو لم يرين الامام، والله اعلى واعلم.
من جهته، يقول د.صلاح المهيني: لا شك اننا غير متعبدين بطريق بناء المساجد، والمتابع لهذا الشأن يعلم كيف تغير شكل المسجد من زمن النبي صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا.
وكانت النساء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تصلين في صفوف خلف صفوف الصبيان، اما اليوم فللنساء مصلى خاص وصفوفهن غير متصلة بصفوف الرجال، وقد اجازت وزارة الاوقاف ان يكون للنساء مصلى ملاصق لمصلى الرجال بشرطين:
1 ـ ان يكون بين المصلين باب مفتوح او شباك او مكبر صوت يندر انقطاع الصوت فيه حتى يعلمن بقراءة الامام وانتقالاته في الصلاة.
2 ـ ان يكون بين المصلين جدار او حائط خشبي مثلا او ستارة لا يقل ارتفاعه عن مترين حتى يسمعن صوت الامام ويعلمن بتنقلاته.
ومن خلال الفتوى، ندرك ان طريقة بناء المساجد اليوم لا تخالف احكام الشريعة الاسلامية.