عبدالحميد الخطيب
رغم انه يعرض مرة واحدة فقط (الساعة 2.40 دقيقة فجرا على شاشة تلفزيون الكويت) ودون إعادة، فإن المسلسل الدرامي «في دروب السعي مظالم» استطاع ان يحظى بنسب متابعة جيدة، لاسيما انه جمع بين قصة مؤثرة تحمل رسائل هادفة وخالية من الإسفاف والابتذال، ورؤية إخراجية متوازنة لم تتجاوز حدود النص، وأداء تمثيلي متميز للنجوم المشاركين فيه، وهو مثلث نجاح أي عمل درامي.
من بداية العمل بدا واضحا أنه يعد بأحداث مثيرة، حيث شهدت الحلقة الأولى أجواء شائقة عندما شاهدنا راشد (عبدالعزيز مندني) يجري مسرعا خائفا، يركب سيارته ويذهب في لمح البصر الى بيته، متمنيا الا يكون احد قد رآه، ليتضح أن هناك جريمة قتل يتم اتهامه فيها بناء على وجود شاهد عليها، ويحكم عليه بالمؤبد ويدخل السجن، وهو يؤكد انه بريء، وانه كان يجري هربا من كلب يطارده بالشارع، لكن المسلسل في الحلقات التالية ركز بصورة أكبر على رسم العلاقات الدرامية للشخصيات الأخرى وصراعاتها، وهو ما حيد حكاية «راشد» وماذا حدث لقضيته، أو أحواله داخل السجن.
تتمحور أحداث القصة حول «راشد» الذي كان يحضر لرسالة الدكتوراه في القاهرة، وهناك يتعرف على سهام (هيفاء حسين) الطالبة في السنة النهائية لرسالة الماجستير في الإعلام، ويقع في حبها وأراد الزواج منها، غير أن الفوارق الطبقية بينهما حالت دون ذلك، ومع مرور الأيام يتم اتهامه في جريمة قتل وتكون جميع الأدلة ضده ويحكم عليه بالمؤبد، وبعد مرور 22 عاما على سجنه يشاهد ابن أخته مصادفة فيديو على «السوشيال ميديا» لخاله في يوم الجريمة وهو يجري ووراءه كلب يطارده، فيذهب الى المحامي عقيل (عبدالرحمن العقل) والذي ينبش في خفايا الماضي لإظهار الحقيقة ورفع المظلمة عن المظلوم وينجح في إثبات براءة راشد (عبدالعزيز مندني).
وتتجه «سهام» إلى التقديم التلفزيوني وتصبح إعلامية ناجحة تناقش في برنامجها قضايا المجتمع، وبنفس الوقت تشغل منصب رئيس تحرير صحيفة مشهورة، يعمل معها العديد من الصحافيين منهم حمود (طارق النفيسي) الكاتب المشاكس الذي يحارب الفساد والمفسدين وأصبح بمجهوده من أكبر المحررين الاقتصاديين في الكويت والخليج.
يبحث «حمود» وراء تجار الأسهم المشبوهة بالبورصة، ويشك في صهيب (ماجد مطرب فواز) الذي يعمل مديرا لشركة كبرى وان لديه عمليات غير قانونية، فيجند غبنقة (وليد الضاغن) لمعرفة ما اذا كان «صهيب» شريفا ام لا، ليوجه له ضربة قاضية اذا كان متورطا في عمليات تلاعب بالأسهم، لكن تتغير الأمور عندما يتم تعيين «صهيب» في شركة يكون أبو بدر (أحمد مساعد) احد المساهمين فيها، ويطلب من «حمود» الا يهاجم «صهيب» مرة أخرى، وتسير الاحداث هكذا في نفس الدائرة الدرامية حتى مرافعة المحامي «عقيل» أمام المحكمة لإظهار براءة «راشد».
اختار الكاتب د.مشاري حمود العميري اسم «في دروب السعي مظالم» ليعبر عن قصة مليئة بالأطروحات الاجتماعية الراهنة، التي تلامس الواقع، واستخدم «المباشرة» في تسليط الضوء على قضايا مهمة، مثل الفوارق الطبقية وتأثير «السوشيال ميديا» على حياة الناس، وأهمية القراءة، وغيرها، ويحسب له ابرازه لدور الصحافة وقوتها في مواجهة الفساد والحفاظ على المجتمع من الهدم، واستخدامه للغة العربية الفصحى في الحوارات، بجانب اكتظاظ نصه بمعلومات مفيدة يتم تقديمها مع الاحداث بانسيابية وبطريقة سهلة الوصول الى الجمهور.
من جانبه، نقل المخرج محمد عبدالعزيز الطوالة الحالة الدرامية للنص بواقعية، ولعبت خبرته في اختيار الممثلين للشخصيات دورا واضحا في نجاح المسلسل، فقد قدم عددا منهم بشكل مغاير عما اعتدنا عليه مثل عبدالرحمن العقل وهو نجم من العيار الثقيل، يتلون مع اي شخصية يؤديها، فقد اثبت أبو خالد حضورا في شخصية المحامي «عقيل» رغم قلة مساحة ظهوره، وكذلك عبدالإمام عبدالله الذي يمتلك سلاسة بالأداء وأقنعنا ببخل شخصية «أبو حامد» وهي شخصية رغم أنها تبدو سهلة، لكنها تحمل أبعادا درامية تحتاج الى نجم صاحب خبرة طويلة مثل «أبو طلال» ليغوص في أعماقها، وعلى نفس المنوال يجسد أحمد مساعد دور «أبو بدر» بكل اقتدار، كما خرج وليد الضاغن من عباءة الكوميديا ليجسد دور رجل انتهازي بتمكن.
أما هيفاء حسين فدورها «سهل ممتنع»، لاسيما انه مليء بالتحديات التمثيلية التي تمزج بين القوة والسيطرة وفي نفس الوقت الحب، وهي تؤديه ببراعة، بينما جذب طارق النفيسي الأنظار إليه بشخصية «حمود» بما فيها من شغف الصحافي المتحمس لمعرفة الحقيقة، كما يقدم ماجد مطرب فواز شخصية «صهيب» بهدوء بعيدا عن الأداء المبالغ فيه، في الوقت الذي أجاد باقي فريق العمل ومنهم إسماعيل الراشد، زينب كرم، خلود محمد، عبدالله الفريح، صالح البلام، عذاري، شيماء قمبر، محمد اشكناني، كل في دوره.
المسلسل بالمجمل يسير بإيقاع هادئ نسبيا وسط صخب أعمال رمضان، ويناسب جميع أفراد الأسرة.