غالبا ما ينشأ شعور الحسد نتيجة خصائص معينة في الشخصية ويتأثر بحجم استيائنا من مصيرنا ومسار حياتنا، وقد تتمحور المشكلة حول مجالات متنوعة، لكن حتى لو كان الفرد ناجحا أو جميلا أو ثريا، لا أهمية لذلك لأن الشخص الذي يحسد غيره لا يشعر بعقدة النقص فقط! بل إنه يفخر بنفسه لدرجة أنه قد يظن أن الحياة التي يعيشها ليست جيدة بما يكفي أو أنه يفتقر إلى امتيازات كافية مقارنة بجميع الجهود التي بذلها أو القدرات التي يتمتع بها، أي قد يشعر المرء مثلا بأنه بارع أكثر من غيره في مجالات عدة، ولكنه يفشل رغم ذلك في حصد ثمار مجهوده بقدر الآخرين.
لذلك تبدأ مشاعر الحسد تظهر بصفة الخبث وقد تتطور إلى حد نشوء رغبة في إيذاء الآخر، وقد تشمل مشاعر الحسد أمورا عدة منها الماديات والكماليات (ملابس، مجوهرات، سيارات..إلخ) أو حتى صفات خاصة بالآخر (العينان، الجمال، الرشاقة..إلخ)، كما أنها تعتبر شكلا من مشاعر الغضب تجاه شخص آخر يملك أمورا مرغوبة ومغرية، زائد مشاعر الغيرة والتي عادة ما تكون قريبة من هذه الحالة أيضا.
فأقلم نفسك بألا تلتفت لمن يكرهك أو يتكلم عنك أو ظلمك بسوء ظنه بك، لا تلتفت لمن جحدك ونكرك ونسي معروفك وفجأة استثقلك، لا تلتفت لمن نافقك وكذب عليك وناقض نفسه معك، لا تلتفت لمن لا يتمنى الخير لك، والخبث والغيرة والحسد يملآن قلبه تجاهك.
لأن الشخصية الحسودة تواجه مصاعب كثيرة لتغيير طباعها بحسب رأي علماء النفس، لأن هذه الحالة تعبر عن وجود خلل عميق وقديم في الشخصية، يميل أصحابها عادة إلى التجادل مع الآخرين ويحسدون الأشخاص الأوفر حظا ويزدرون الأشخاص الأكثر ضعفا.
كما لا تعط فرصة أيضا لمن يريد أن ينقل لك حديثا دار عنك بسوء من شخص منافق حسود، يؤدي لسواد قلبك وأذية صدرك، ولا تترك له مجالا ليحملك هما أنت في غنى عنه، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنقلوا لي شيئا عن أصحابي فإنني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر».
ذلك ولأن أكثر أنواع البشر إزعاجا أولئك الذين يتكلمون عنك بالسوء من ورائك، ولا يخلو مجلس من غيبتهم ونميمتهم، ولا نستطيع أن ننكر أن ذلك أمر مزعج جدا وجارح، ويحز في النفس والخاطر، خاصة عندما يكون من أناس مقربين، أو عندما تكون عكس ما يتكلمون عنك، فيقولون عنك ما ليس فيك.
ولكن الأشد منهم إزعاجا أولئك الذين نقلوا لك ما قيل عنك، فالفتنة أشد من القتل، ومعرفتك لن تفيدك بشيء سوى أنها ستزرع في نفسك كرها يؤذيك أنت قبل أن يؤذيهم، ويعكر صفوك ومزاجك.
بخلاف انهم سيتركون بداخلك شعور بغيض وبشع خصوصا حين تشعر بأنك لا تنتمي لشيء، شعور بغيض وبشع حين تعلم انك صرت عبئا على قلب أحدهم وفجأة أصبحت لا تعني شيئا بالنسبة له، شعور بغيض وبشع حين تكتشف أنهم يتلاعبون بمشاعرك كما يتلاعبون بالدمى، شعور بلا مشاعر إنسانية نقية، يتحكم بها الشر، للأسف، والخسة والدناءة والنميمة والأنانية وحب الذات.
فتأكد أن من يتكلمون عنك من خلفك فهم ما فعلوا ذلك إلا لأنهم فعلا خلفك، فتجاهل ولا تهتم ولا تلق لهم بالا ولا تعطيهم آذان مصغية، وإن سمعت ما سمعت منهم، كبر دماغك وتعامل بنضجك معهم، وكن على ثقة تامة بنفسك طالما أنك على صواب، ولا تلتفت وراءك.. ولا تثبت لأحد أنك مثالي، يكفي أنك تعرف ذلك، فأنت لم تخلق لتثبت للناس ما يريدون، عش لنفسك فقط، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، ولن تدركها، ولا يجب أصلا أن تكون من أولوياتك واهتماماتك.
ابتسم، وعش بطمأنينة، فكلامهم وراء ظهرك ما هو إلا دليل على حسدهم وغيرتهم منك، لذا ابتسم، نعم ابتسم واترك لهم مر أفعالهم، وانعكاس سوء نيتهم عليهم، واترك لله سبحانه تقدير الأمور والعواقب فإنه ليس بغافل عنهم،
ونم أنت قرير العين مرتاح البال.
قال الشاعر البوصيري عن الحسود:
تجنب أحاديث الحسود فواجب
تجنبه فيما يقول ويفعل
وكل حسود ما عدته ملامة
وكل لئيم ما عليه معول
متى قال عني السوء عندك إنه
كذاك يقول السوء عنك وينقل