قبل جائحة كورونا بعام التقيت في أحد المعارض سيدة كويتية فاضلة، مع الأسف لا أتذكر اسمها، كانت صاحبة مبادرة فردية وتقوم بتسويقها في ذلك المعرض، جوهر مبادرتها هو القيام بنثر بذور زهرة النوير الموسمية في المساحات الفاضية، لم تأبه تلك السيدة بقلة الأمطار في حينها والجفاف والاحتباس الحراري، كما لم تستهن بما تقوم به من عمل رائع فقامت تدعو الآخرين للقيام بالمثل. ومنذ ذلك الحين وأنا أتبع مبادرتها، فلم أعد أقتلع تلك النبتة من جذورها وآخذ معي «ما خف حمله وغلا ثمنه» من تلك البذور وأنثرها أنا وصغاري في أي كشتة وفي أي طريق نمشي فيه.
سقى الله تلك البذور وغيرها بأمطار الخير فصارت كثافة زهور النوير ملحوظة، فكلما وقعت عيني على منظر بساط أصفر فاقع وأخضر يانع من تلك الزهور، سواء من الطائرة أو أثناء قيادة السيارة أو خلال سيري قلت شكرا لله وجزاك الله خيرا سيدتي الملهمة.
جميل وسط فوضى حياتنا وتراجعنا تواجد من يملك روح المبادرة مثل هذه السيدة، فكثيرون ممن ينثرون بذور الأمل ولا يملون من غرس قيم الإخلاص في أي عمل يؤدونه كل من موقعه، فتحية شكر لكل أب وأم سعيا لتنشئة أبنائهما نشأة طيبة، ولكل طالب علم اجتهد في دراسته وكل معلم عمل بروح إيجابية ليربط بين العلم والمتعلم، وكل موظف رقيب نفسه يعمل بإخلاص ويتقن عمله، وكل روح مبادرة ولكل مواطن ومقيم صالح يقوم بأداء واجبه واهتم بأسرته وفريقه الصغير، مدرك أهمية وحيوية ما يقوم به مهما كان بسيطا أو معقدا، هؤلاء الذين لا يتهافتون على المطالبة بالحقوق متناسين الواجب، هم يعلمون يقينا أن الأساس هو الواجب وليس الحق فقيام كل شخص بواجبه يغني عن الصراخ بسبب ضياع الحقوق.
هؤلاء الذين لا يتأثرون أو يتراجعون في مواسم الجفاف والرياح ويواصلون المسير بالرغم من عدم الاستقرار، لا تجرفهم عواصف ولا معارك.
إن ما تقومون به مثل النبات المعمر لا يموت منها إلا جزؤها العلوي في بعض المواسم وتبقى جذورها لتعود للنمو وتزهر مرة أخرى من جديد.
imandashtti@