عندما انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى منذ أكثر من 30 عاما والتي سميت بانتفاضة أطفال الحجارة، واجه هؤلاء الأطفال الدبابات والجنود بصدور عارية وأيد فارغة إلا من الحجارة يرمون بها الدبابة المدرعة والجندي المدجج بالسلاح، وقتها قال الشاعر خالد أبو العمرين رائعته الشعرية قصيدة «في القدس نطق الحجر»، وضمن ما قال:
أطفالنا كبروا هدير هتافاتهم صوت الزلازل
الله أكبر في ضمير الشعب تسري فيقاتل
وكبر أطفال الحجارة وكبر جهادهم وهتافهم وحولوا أرض الإسراء ومسرى الأنبياء وبيت المقدس إلى أرض جهاد ورباط واعتكاف وتصدوا وتصدى معهم كل أهل القدس وكل أهل فلسطين بصدور عارية وذادوا عن المسجد الأقصى بأجسادهم وقبلها بأرواحهم، فترى الشيخ والطفل والمرأة والرجل يسيرون على أقدامهم من القرى والمناطق المحيطة لتكون أجسادهم دروعا للمسجد الأقصى ليحموه من دنس اليهود ونجسهم ومن قطعانهم وإقامة شعائرهم. فتقوم القوات الصهيونية بالاعتداء على كل من يدخل المسجد ويحميه فيسيل دم الحرة الطاهر على حجابها، ويضرب الشيخ العاجز، ويقتاد الشباب مكبلين.
ومع كل هذا يخرجون في الغد من كل المدن للانتقام وتنطلق صواريخ القسام من غزة للعمق الإسرائيلي ملبية نداء المسجد الأقصى وتمتلئ ساحات الأقصى بعشرات الآلاف من الصائمين والمرابطين والمصلين وترتج الأرض من هديرهم وتعلو تكبيراتهم عنان السماء.. وتبدأ المناوشات والمظاهرات والصدامات مع اليهود في المدن والقرى القريبة والبعيدة... مشهد عظيم اجتمعت فيها أمهات العبادات من صلاة وصيام واعتكاف ورباط وجهاد.
ربما يقول قائل القصة مكررة والمشهد معاد آلاف المرات في كل عام وفي كل رمضان ومنذ عشرات السنين نشاهد هذا المنظر، اقتحامات اليهود وتدنيسهم للمسجد الأقصى وقيام أهل القدس وما حولها بالتصدي لهم.
نعم المشهد يتكرر، ويتكرر معه مشهد الكرامة والعزة والإباء، فأهل القدس لا يملون عن الدفاع عن المسجد الأقصى لسنوات وسنوات ولا يتهاونون ولا يتوقفون عن تقديم الشهداء دفاعا عنه، استشعار أبناء فلسطين بواجبهم تجاه الأقصى يشعرنا أن هناك واجب آخر يتحمله بقية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فالقدس عقيدة إسلامية وليست مجرد قطعة أرض وقضيتنا وصراعنا مع اليهود بدأ مع بداية الإسلام ولن ينتهي إلا بقيام الساعة ومقاتلة المسلمين اليهود ويظل الأقصى ثالث الحرمين وأولى القبلتين يهم المسلمين، وإن كان أهل القدس أخذوا غالب الأجر وأعظمه في الدفاع عنه فيجب على المسلمين مشاركتهم ولو بالدعاء ودعمهم لتقوية شوكتهم والتخفيف عنهم سواء دعم معنوي أو مالي.
يجب أن تبقى قضية القدس على رأس أولوياتنا، ويجب ألا يفقدنا تكرار مشهد هجوم قطعان اليهود على المسجد الأقصى من الاهتمام به فإن كنا نحرص على الصيام والقيام وقراءة القرآن في هذا الشهر الكريم، فيجب أن نحرص على الاهتمام بقضيتنا الأولى وقبلتنا الأولى فإن الاهتمام بها عبادة كذلك ولو بالإنكار القلبي وعدم التبرير لليهود أو اتهام أهل فلسطين بأنهم السبب فيما يحصل لهم من أحداث.