إن مبدأ «الأكثرية» و«الأقلية» الذي يعتمده البعض في معرفة «خير الناس وشر الناس» يجب أن يخضع إلى بعض الأمور المهمة، ففي بداية الأمر يجب أن نعلم أن الشخص عندما يتبعه الأكثرية من الناس فهذا لا يعني بأنه الشخص الأصلح والأنقى والأتقى، وهو الأحق في الاتباع، ويجب أن نعلم في الوقت ذاته أن الشخص عندما يتبعه الأقلية من الناس، فهذا لا يعني أنه الشخص الأسوأ والأبعد عن الحق، وهو الأحق في المناهضة، لذلك علينا تصحيح أفكارنا نحو مبدأ الأكثرية والأقلية.
وفي هذا الصدد نلفت الأنظار حول آيات كريمات في القرآن العظيم، تبسط لنا التصور نحو الأكثرية والأقلية بصورة دقيقة، فالله سبحانه يقول في مواضع مختلفة في كتابه: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، ويقول سبحانه: (ولكن أكثر الناس لا يشكرون)، ويقول سبحانه: (قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون)، ويقول أيضا: (وقليل من عبادي الشكور).
فكل هذه الآيات الكريمات تدل دلالة قاطعة على أن القلة هم الموصوفون بالحق دائما، وأن الأكثرية من الناس هم الأبعد عن الحق وأنهم هم الأكثر جحودا لأفضال الخالق ونعمه، وهم الأقل شكرا.
ومن ناحية أخرى، من ينظر في سير الأنبياء الكرام سيرى أن من اتبعهم هم القلة من الناس، مع أنهم هم أهل حق بلا شك وريب، وهذا يدل على أن الحق مع القلة من الناس دائما، فكم من نبي كريم لقي العناد والجحود من الأكثرية من الناس، ولم يتبعه إلا القلة، ومن يتمعن في سيرة نبي الله نوح عليه السلام يرى بأنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ومع هذا لم يؤمن معه إلا القلة القليلة منهم، وقد قيل إن من آمن معه يصل عددهم إلى 80 رجلا، حتى أنه دعا على من كذب به، بسبب عنادهم وتعنتهم وعدم إيمانهم، وهذا يدلل لنا على أن فعل الأكثرية لا يدل على المنهج الحق، فالقلة هم من يعرفون ويدركون الحق، وطريقهم هو الأولى بالاتباع.
والقصد من الإشارات السابقة حول موضوع «القلة والكثرة» هو لفت انتباه الجميع نحو الطريقة الصحيحة في معرفة أهل الحق، ونحو عدم «الافتتان» في بعض من يلتف حولهم الناس بشكل همجي متسرع، شكل لا يحوي أي صورة من صور الحكمة والاتزان والعقلانية، شكل يهين العقل ولا يجعل له مجالا في تدبر الأشياء وتمحيصها، لذلك من اعتقد أن الشخص الذي «يصفق» له أكثر الناس يعد هو الشخص الأصلح، فهذا اعتقاد خطأ، ومن اعتقد أن الشخص الذي لا يلتف حوله إلا القلة من الناس يعتبر هو الشخص الأسوأ، فهذا اعتقاد خطأ أيضا، فالمقياس الذي يجب اعتماده في تقييم كل شخص، هو مقياس الحق والباطل، فقد قيل: «الحق لا يعرف بالرجال.. اعرف الحق تعرف أهله»، فالإنسان العاقل يدور في مدار الحق حيث كان، فالمقياس هو «الحق» بصرف النظر عن الأعداد المؤيدة أو الأعداد المعارضة، وعلى سبيل المثال: إبليس - نعوذ بالله منه ومن كل اتباعه ومريديه - أضل الكثير من الناس، وهو الأكثر اتباعا، وهذا لا يعني أنه على صواب، بل هو يمثل الباطل بكل تفاصيله، لذلك علينا الانتباه لهذه المقاييس الذي وضعناها لأنفسنا حول موضوع «الكثرة والقلة»، حتى لا نسقط في وحل الهلاك.
إخوتي الأعزاء، وهب الله الإنسان عقلا يزن به الأشياء، فعلينا إعمال هذا العقل وإعطاؤه مكانته التي يستحقها في التدبير والتفكير، حتى لا نعيش بين الخطأ والباطل طوال الوقت، فمن خلال العقل علينا تقييم الأشخاص، وتمحيص أفعالهم وأقوالهم،، حتى نعرف الأخيار منهم ونعرف الأشرار، والخطأ كل الخطأ يكمن في (الافتتان) في أعداد المتبعين دون النظر في الشخص «المتبع»، لذلك هي دعوة لصوت العقل بأن يأخذ مكانته في الجسد، حتى يعيش هذا الجسد في رحاب الاتزان الذي نصبو له جميعا، وفق الله الجميع نحو سبل الخير.. وأهل الخير.
ختاما.. قيل في الأثر، سمع عمر رضي الله عنه رجلا يقول: اللهم اجعلني من القليل، فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: أردت قوله تعالى: (وقليل من عبادي الشكور). فقال عمر رضي الله عنه: كل الناس أعلم منك يا عمر.
HaniAlnbhan@