نشعر بالفخر ونحن نشاهد توجه الشباب الكويتي، خلال أبحاثهم العلمية - الماجستير والدكتوراه - إلى الخوض في دراسة الموضوعات المهمة والهادفة والمفيدة، التي تساهم في التقارب بين الشعوب، وإحياء مسألة السلام في النفوس والمشاعر، والبحث في الموضوعات التي تصلح الأوضاع العربية، وتوضح الكثير من الغموض في العلاقات بين الشعوب.
ومن تلك الرسائل العلمية، دراسة «الكويت والوحدة اليمنية»، تلك التي نال على أثرها الباحث الكويتي عبدالعزيز عبدالله درجة الدكتوراه، والذي يعد من العقول الكويتية المتميزة، بفكرها وثقافتها.
ولقد أشرف على الرسالة وقدمها في إصدارها الورقي أ.د.خلف عبدالعظيم الميري- أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة عين شمس - وهو بالمناسبة من العقول المستنيرة، ولقد ساعد دارسين كويتيين شبابا في اختيار مواضيع أطروحاتهم الجادة المفيدة خصوصا في الدراسات التاريخية المعاصرة بقلب محب ومخلص.
ولقد تناولت الدراسة التي أصدرها د.عبدالعزيز في كتاب - عبر صفحاته التي تصل إلى 145 صفحة من القطع المتوسط - دور الكويت الكبير في الوحدة اليمنية، كما تحدث بإسهام عن العلاقات التاريخية الوطيدة بين الكويت واليمن، عبر العصور.
والكتاب في نسقه التاريخي ومنهجه العلمي، يتضمن رؤى واضحة ومشاهد اختارها المؤلف بعناية من أجل تأكيد موقفه من الوحدة العربية - خصوصا في اليمن - التي سعت الكويت إليها منذ زمن طويل، وحرصت على أن تكون من أولويات اهتماماتها السياسية والديبلوماسية، على امتداد خارطة الوطن العربي، وتصدرها المشهد في كل كبيرة وصغيرة تهم المجتمع العربي بكل تطلعاته وأحلامه، خصوصا في فلسطين التي كانت الكويت الداعم الأساسي والمهم لقضيتها منذ بداية اشتعالها، كما أن دورها مشهود في تقارب وجهات النظر العربية والخليجية، بكل ما تحمله من ثقل سياسي وديبلوماسي كبير.
وفي مقدمته، أشار الميري إلى التشابه بين الكويت واليمن على صعيد الموضع والموقع جغرافيا وإستراتيجيا، فكلاهما يتمتع بموقع ملاحي ملتقى ومنتهى، وعلى الصعيد السياسي فكلا البلدين اكتويا بنيران الاحتلال والحماية البريطانية، منذ القرن التاسع عشر وصولا إلى منتصف العشرين.
كما أشاد الميري بالسياق العلمي الذي اتبعه الباحث في كتابه، كي يبرهن على أن علاقات الأخوة ليست كلمة.
وتتبع المؤلف في دراسته ارتباط الكويت بعلاقة وثيقة مع اليمن منذ ثورتي 26 ديسمبر عام 1962م، وأكتوبر 1963م، حينما كان اليمن يسعى إلى الحصول على الدعم السياسي والمادي والمعنوي، حيث كانت الكويت أولى الدول الخليجية التي اعترفت بالثورة والنظام الجمهوري في الشطر الشمالي، كما سعت - إلى جانب بعض الدول العربية - في محاولة لتوحيد القوى الوطنية في الشطر الجنوبي، بالإضافة إلى وقوفها إلى جانب شطري اليمن أثناء قيامهما بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وغير ذلك من المواقف التي حرصت فيها الكويت على أن تفي بواجبها تجاه القضايا العربية.
وتجول الباحث - خلال دراسته - في دهاليز وممرات ومنافذ وبوابات التاريخ كي يرصد لنا لمحة جغرافية تاريخية، لكل من الكويت واليمن، من حيث النشأة والتاريخ والجغرافيا والطبيعة والسكان والحكام، فيما رصد دور الكويت السياسي تجاه اليمن عام 1961م، حتى عام 1990م، ليتحدث في هذا الرصد عن الثورة اليمنية ومواقف الدول العربية منها، وأنه رغم تأخر اعتراف الكويت بها إلا أنها تعد الدولة الخليجية الوحيدة التي اعترفت بالنظام الجمهوري، إضافة إلى ما قامت به الكويت من أدوار إيجابية تجاه اليمن خلال قضاياه الداخلية والخارجية.
وخلص المؤلف في دراسته إلى ان هناك أحداثا تاريخية أدت إلى بداية علاقة جديدة بين الكويت واليمن، لعل من أبرزها حصول الكويت على استقلالها عام 1961م، وسقوط النظام الإمامي في الشطر الشمالي عام 1962م، وقيام ثورة 14 أكتوبر عام 1963م، في الشطر الجنوبي من اليمن، التي أدت إلى جلاء الاحتلال البريطاني من جنوب اليمن في 30 نوفمبر عام 1967م، حيث إن الظروف السياسية التي أحاطت بالكويت في بداية الستينيات قد دفعتها إلى التقرب من شطري اليمن.
وفي السياق، عرج المؤلف على الأدوار الإيجابية التي لعبتها الكويت في شتى المجالات التي تخص اليمن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا وغيرها، مما أسهم في إتمام الوحدة اليمنية.