الإنسان على مر العصور كان ينشد الاستقرار، فالاستقرار هو الركن الأول للحياة الكريمة، فلا يمكن لأي إنسان العمل والإبداع تحت وطأة الاضطرابات وتحت رحى النزاعات، فما بزغت الحضارات الإنسانية إلا عندما شعر الإنسان بالاستقرار الفكري، والنفسي، والمالي، والمستقبلي.
ولعل الأمثلة كثيرة في هذا الباب، ولنأخذ الأندلس مثالا بعيدا، وكويت الستينيات مثالا قريبا، فالأندلس في عهد عبدالرحمن الناصر، شعر المواطن ـ باختلاف دينه ومذهبه ـ باستقرار، فتشكلت حضارة الأندلس التي إلى اليوم نتغنى بها، ونمد خطوط الأمل كي تعود.
وكويت الستينيات كانت تنعم بالاستقرار، دولة محمية متحاب أهلها مقبلة على تقدم ورقي، الأطفال في المدارس يتعلمون الجديد، والشباب ينشدون الجامعات ويقرأون الصحف والمجلات، باحثين عن التطور ويعملون عليه، والنساء اكتفين من قلق الغوص وشعرن بأن الحياة مستقرة، كجمال أفلام الأبيض والأسود. والرجال يرون بلادهم تزدهر وتكبر، حتى عندما فاجأهم عبدالكريم قاسم كانوا يدا واحدة متحدة مع الأسرة بقيادة (أبو الدستور) عبدالله السالم.
نعم، هو الاستقرار الذي يجب أن يشعر به اليوم المواطن الكويتي، الذي كلفته الأيام فوق طاقته، فبماذا يفكر وبماذا ينشغل؟ مستقبل الأولاد بين مجهول وغامض، أم بالسياسة التي هي كقصائد الشعر الحديث، لا يفك شفرتها إلا الله، وهو ما بين غدوة ورواح إلى صندوق الانتخاب يحلم بالأفضل، أم بالجانب النفسي الذي وضع تحت ضغط البصمة وغلاء الأسعار.
حتى الفرح والمرح أصبح نادرا، فلا مسرح مسليا، ولا رياضة ماتعة، ولا أماكن سياحية، حتى المستقبل ينظر له بعين الريبة والشك، فكيف بعد ذلك تلمع لؤلؤة الخليج وتبرق ازدهارا وتقدما؟ لابد من استقرار يشعر به المواطن وينتشر بين الأسر، فيجب على الدولة بكل طاقاتها، وأعضاء مجلس الأمة بكل أدواتهم السعي نحو الاستقرار، ولا يعني هذا تعطيل المحاسبة وتجاهل الفساد، فلا استقرار ينفع مع سيول الفساد، لابد من القيام بالواجب من محاسبة وفق منهج الاستقرار، وهدف الاستقرار لتنعم الكويت بمناخ صالح للعمل، ونصنع بيئة صالحة للأبناء، ليذكرونا بعد حين أننا قمنا بالواجب ولم نقصر تجاههم بشيء.