من منطلق اهتمامها برصد الواقع الاقتصادي في الكويت، تصدر شركة «آراء للبحوث والاستشارات» مؤشرا شهريا لثقة المستهلك بالتعاون مع جريدة «الأنباء» وبرعاية شركة «لكزس»، حيث يعتبر مؤشر «ثقة المستهلك» المؤشر الوحيد الذي يقيس العوامل النفسية للمستهلك، مرتكزا على آراء الناس وتصوراتهم عن الوضع الاقتصادي الحالي والمستقبلي، وتوقعاتهم لأوضاعهم المالية.
ويرتكز المؤشر على بحث أجري على عينة مؤلفة من 500 شخص، موزعة على المواطنين والمقيمين العرب في مختلف المحافظات، حيث يتم إجراؤه بواسطة الهاتف من خلال اتصالات عشوائية، وتمت مراعاة أن تكون العينة مماثلة للتركيبة السكانية في الكويت.
وتستخلص نتائج كل مؤشر من المؤشرات الست بالاعتماد على إجابات أفراد العينة التي يحددها الاستبيان بـ «إيجابي» أو «سلبي» أو «حيادي»، ويتم تحديد نتائج المؤشرات في الشهر الأساس كمقياس للحالة النفسية للمستهلكين في الكويت، وهي تساوي 100 نقطة، وتكون هذه النقطة (الرقم 100) الحد الفاصل بين التفاؤل والتشاؤم لدى المستهلكين.
أصدرت شركة آراء للبحوث والاستشارات التسويقية، مؤشرها لثقة المستهلك في الكويت لشهر مارس 2023 بالتعاون مع «الأنباء» ورعاية «لكزس»، وكان اللافت بهذا الشهر تراجع معدلات جميع المؤشرات بنسب تتراوح بين 3 و8 نقاط، فقد سجل المؤشر العام معدلا بلغ 99 نقطة، بانخفاض 5 نقاط مقارنة بشهر فبراير، وتدنى رصيده السنوي بـ 7 نقاط، واحتل بذلك المؤشر العام لشهر مارس 2023 أدنى مستوياته منذ سنتين.
هذا الواقع يفرض علينا الرجوع إلى المعطيات الاقتصادية والمالية في الكويت ونتطرق إلى المستجدات الدولية والإقليمية على جميع الصعد لتحليل مدى تأثيرها السلبي على مستوى ثقة المستهلك في الكويت في المرحلة الحالية، عناوين الوضع الاقتصادي في الكويت التي برزت خلال شهر مارس ومنها:
1 - القفزة التي حققها احتياطي الكويت من العملات الأجنبية خلال شهر والتي بلغت 1.2 مليار دينار، تحمل مدلولا مشجعا نظرا للتنافس العالمي على جذب الرساميل عن طريق رفع الفوائد في المصارف المركزية.
2 - حماية القدرة الشرائية للدينار الكويتي والسيطرة على مستوى التضخم النقدي الوطني بحدوده المقبولة اقتصاديا.
3 - ارتفاع معدلات الودائع المصرفية من قبل القطاع الخاص التي بلغت قيمتها 674.4 مليون دينار خلال شهرين.
4 - النمو الملحوظ للاقتصاد الكويتي يؤكد ذلك رفع الطلب على القوى العاملة.
5 - دور المصرف المركزي الكويتي بضمان الاستقرار والأمان في مواجهة الصدمات المالية في بعض البلدان، لاسيما في الولايات المتحدة الأميركية وسويسرا وتداعياتها على معظم دول العالم.
6 - تتجه أسواق النفط في الظروف الحالية، ولو بنسب بطيئة، الى تعزيز أسعارها مما يقوي القاعدة المالية في الكويت.
7 - استمرارية سياسة الاستثمار في القطاع النفطي من قبل السلطات الرسمية في الكويت في مرحلة تراجع حجم الرساميل لهذا القطاع في بعض الدول الأخرى.
وفي مقابل هذه العناوين الإيجابية هناك تحديات وصعوبات تضغط على الوضع الاقتصادي في الكويت ومنها:
1 - الصعوبات التي تواجهها البورصة من وقت لآخر والتي تؤدي أحيانا إلى الخسائر وبعض القلق.
2 - التحديات الخارجية على مختلف الصعد التي تضغط على أوضاع مختلف دول العالم:
أ - الصراع العسكري والسياسي في أوكرانيا وتداعياتها على مختلف الصعد من عرقلة سلسلة التوريد وبخاصة منها المواد الغذائية والعقوبات المتبادلة التي رفعت الأسعار بشكل غير مسبوق.
ب - رفع الفائدة في بعض المصارف المركزية في العالم من اجل تقليل التضخم النقدي الذي أدى إلى تقلص السيولة وتراكم الرساميل في بعض البلدان مقابل ضمورها الخطر في البلدان النامية.
هذه العوامل المتداخلة والمتصارعة وغيرها من العوامل أوجدت مناخا يشوبه القلق وعدم اليقين، فوتيرة وسرعة المتغيرات تعقد استشراف الوقائع للوصول إلى توقعات ثابتة، وفي هذا المناخ أعرب 3 مكونات من مكونات البحث البالغ عددهم 27 مكونا عن ثقتهم، حيث منحوا المؤشر العام ما بين 6 و10 نقاط إيجابية بينما أبدى 24 مكونا عدم ارتياحهم وثقتهم بالأوضاع الحالية في مجال الاستهلاك.
سجل مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي معدلا بلغ 93 نقطة بخسارة 5 نقاط خلال شهر. اللافت أن 24 مكونا من أصل 27 مكونا أبدوا عدم رضاهم على الوضع الاقتصادي الحالي بينما انفردت العاصمة برفع رصيدها السابق مسجلة 117 نقطة بإضافة 34 نقطة خلال شهر.
يبدو أن الواقع الدولي الضاغط على أسواق المال في العالم أثر على بورصات الخليج العربي بما فيها السوق الكويتي، مما فرض بعض التحديات والخسائر أحيانا على بورصة الكويت، بالرغم من الأداء العلمي والمنهجية الحديثة اللذين طورا أسس العمل التنظيمي المتطور في البورصة.
كذلك تراجع أسعار النفط نسبيا التي من المتوقع ان تعالج من قبل منظمة «أوپيك» في أوائل شهر أبريل، لكن انخفاض سعر النفط ضغط على الأسواق من جهة وعلى نفسية المستهلكين من جهة أخرى.
أما على صعيد الفئات، في ضوء مستوى رواتبهم فقد سجلت فئة الموظفين ذات الرواتب بين 2250 و2849 دينارا شهريا معدلا بلغ 47 نقطة بخسارة 40 نقطة خلال شهر، كما تراجع معدل العمالة ذات المستوى الدراسي الثانوي، حيث سجل معدلا بلغ 90 نقطة بتراجع 24 نقطة خلال شهر.
مع الإشارة إلى ان حلول بداية شهر رمضان في شهر مارس يفرض على المستطلعين نفقات تقليدية قد تساهم بالضغط على ميزانية بعض المستهلكين وتؤثر على نفسيتهم.
الشباب يثق بالوضع الاقتصادي
سجل مؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا 105 نقاط متراجعا نقطتين على التوالي على أساس شهري وسنوي.
منح الشباب 18- 35 سنة معدلا بلغ 125 نقطة، معززا رصيده الشهري السابق 18 نقطة.
أما على صعيد المناطق، رفعت العاصمة معدل مؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع إلى 118 نقطة بإضافة 37 نقطة، من الملاحظ أن العاصمة رفعت معدلات أربع مؤشرات بنسب عالية عاكسة بذلك مدى رضا المستطلعين فيها وثقتهم بالمتوقع بالمستقبل.
قد يكون أحد دوافع تعزيز الثقة يتجسد بانتعاش النمو الاقتصادي الكويتي الراهن وزيادة الطلب على القوى العاملة، ما يعكس انتعاشا لبعض القطاعات الأساسية.
من الطبيعي أن نسب النمو والتضخم النقدي وغيرها من المفاجآت تنعكس سلبا أو إيجابا على أوضاع الرأي العام وعلى قناعاتهم ومتطلباتهم.
لذا لابد من متابعة دقيقة للأحداث وتوجهاتها وتداعياتها ومستوى وكيفية تأثيرها على مختلف المناطق وخاصة في المجال الاقتصادي والغذائي.
لعل الظروف تساعد على الوصول إلى أفضل الشروط، لابد من متابعة الأحوال في مسار ثقة المستهلكين.
تباين في تقييم الدخل الفردي
سجل مؤشر الدخل الفردي الحالي معدلا بلغ 92 نقطة متراجعا 4 نقاط خلال شهر و8 نقاط مقارنة بمعدل شهر مارس 2022، والبارز في معطيات البحث مدى التباين في تقييم هذا المؤشر، بعض النماذج:
وعلى صعيد الفئات العمرية، عزز الشباب 18- 35 سنة معدلهم السابق 9 نقاط، بينما تراجع في أوساط الفئة العمرية 35-55 سنة 10 نقاط والفئة الأكبر من 55 سنة تخلف معدلها 34 نقطة. كذلك فإن المواطنين أضافوا الى رصيدهم السابق لهذا المؤشر 13 نقطة، بينما تراجع معدل المقيمين العرب 20 نقطة.
على صعيد المناطق تباينت الآراء حول الدخل الفردي الحالي، حيث عبر مكون البحث في العاصمة عن ارتياحه بالدخل الفردي الحالي بإضافة 45 نقطة خلال شهر، ومحافظة مبارك الكبير 16 نقطة والجهراء نقطة واحدة، بينما من جهة أخرى تراجع رصيد المحافظات الثلاث الأخرى الأحمدي 30 نقطة والفروانية 20 وحولي 11 نقطة.
هذا التباين في المعدلات بين مكونات الدراسة يعود إلى جملة من المسببات منها: على صعيد المحافظات التنوع الديموغرافي والمهني بينما تشير ظاهرة التباين حول تقييم الدخل بين مختلف الفئات العمرية يعود بالدرجة الأولى إلى نوعية حاجة سوق العمل، فبقدر ما يكون الطلب مرتفعا لفئة ما يرتفع بشكل تلقائي ثقتها بالدخل الفردي واستمرارية العمل.
أما على صعيد مؤشر توقعات الدخل الفردي في المستقبل، فإن معدله كباقي معدلات هذا الشهر مارس 2023 التي اتسمت بالسلبية، حيث سجل 99 نقطة متراجعا 7 نقاط على أساس شهري و5 نقاط خلال سنة، علما ان التقديمات الاقتصادية والمالية في الكويت قادرة على إضفاء أجواء إيجابية للتوقعات المستقبلية بالرغم من كافة المعوقات.
معدل مؤشر فرص العمل الأدنى منذ سنتين
اكتفى مؤشر فرص العمل المتوافرة في السوق حاليا بـ 115 نقطة بخسارة رصيده الشهري 7 نقاط وتراجعه 28 نقطة مقارنة بشهر مارس 2022.
هذا التراجع في حركة سوق العمل التي عبر عنها 16 مكونا من مكونات البحث الـ 27، بينما اكتفى مكونان باستقرار معدلهما السابق أي أن 9 فئات فقط من الذين شاركوا في البحث أبدوا رأيهم الإيجابي بالتوقعات المستقبلية لفرص العمل.
وأضاف المواطنون 8 نقاط بينما تراجع معدل المقيمين العرب 30 نقطة.
أما على صعيد المناطق ارتفع معدل محافظة حولي 11 نقطة ومبارك الكبير 6 نقاط واستقر المعدل في محافظة الفروانية، بينما من جهة مقابلة تراجع معدل 3 محافظات، الجهراء خسر رصيدها السابق 76 نقطة والاحمدي 14 والعاصمة 7 نقاط.
في صفوف العمال تراجعت أرصدة مؤشر فرص العمل الحالية بنسب عالية تجاوزت بعضها 62 نقطة وصولا إلى 33 نقطة.
هذه الأرقام السلبية العالية تحمل مدلولا غير عادي لابد من متابعته واكتشاف الأسباب الموجبة لهذا التراجع مع لفت النظر إلى أن انخفاض الطلب في سوق العمل قد يكون ردة فعل طبيعية تصحيحية بعد الارتفاع المتلاحق بوتيرة الطلب على القوى العاملة في الأشهر الأخيرة.
المزاج السلبي يطول مؤشر الاستهلاك
عندما يستقر معدل مؤشر شراء المنتجات المعمرة خلال شهر مارس عند 96 نقطة متراجعا 9 نقاط خلال شهر و11 نقطة على أساس سنوي ويحتل بذلك ثالث أدنى مستوى له منذ سنتين، يفترض ان تطرح التساؤلات عن أسباب هذا التراجع.
فالمقومات الاقتصادية والمالية في الكويت بما فيها القوة الشرائية للدينار وضبط الأسعار تحت رقابة مشددة، وانتعاش بعض القطاعات الاقتصادية، كل ذلك يمكنه على الأقل المحافظة على مستوى الشهر المنصرم في مجال الاستهلاك. هذا التوقع يطرح سؤالا مشروعا، هل المزاج السلبي الذي طال معظم مكونات البحث هو السبب؟ ام توجد أسباب أخرى وراء تراجع الثقة؟
لابد من الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها ومتابعة مسار حركة الاستهلاك في الأشهر المقبلة نظرا لأهميته بكامل الدورة الاقتصادية والاجتماعية.