- الطبطبائي: إذا لم تتحقق الكفاءة اختلفت روابط المصاهرة وضعفت
- القصار: الأولياء يتفاخرون بعلوّ النسب ويتعيرون بدناءته وهو حق للمرأة
- السويلم: القانون اشترط أن للولي فسخ العقد إذا لم يكن الرجل كفؤاً للمرأة
رغم أنه زواج شرعي ورسمي تم برضاء وقبول الزوجين، إلا أن هناك بعض الأسر تطعن فيه وتطالب ببطلانه والتفريق بين الزوجين، حيث يرى أولياء أمور الفتيات اللاتي تزوجن بدون رغبتهن وإرادتهن من شباب يرى الأهل أنهم ليسوا في مستواهم الاجتماعي والثقافي والمادي، لذلك يبطلون عقد الزواج بدعوى عدم الكفاءة بين الزوجين، فما رأي الشرع والقانون في ذلك؟
يوضح العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.سيد محمد الطبطبائي الشروط التي يجب أن تراعيها الفتاة المسلمة عند اختيارها للزوج، فيقول: يرى جمهور الفقهاء أن هناك شروطا كثيرة يجب على الفتاة مراعاتها منها: النسب والإسلام، كما المهنة والسلامة من العيوب والكفاءة، لأن الكفاءة حق للمرأة والأولياء. وقال: ما من شك في أنه كلما كانت منزلة الرجل مساوية لمنزلة المرأة كان ذلك أدنى لنجاح الحياة الزوجية وأحفظ لها من الفشل والإخفاق.
شرط مهم
واستند د.الطبطبائي إلى اعتبار الكفاءة شرطا في الزواج بأدلة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن القرآن قوله تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، وقوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وقوله (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق)، وقوله: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)، وقال إن هذه الأدلة تدل على أن الناس ليسوا على درجة واحدة في العلم والرزق والدرجة، بل يتفاوتون.
أحاديث نبوية
واستشهد د.الطبطبائي بأحاديث عدة لشروط الكفاءة لقوله: «لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن إلا من الأكفاء»، وما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله: «تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهن»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». وأشار د.الطبطبائي إلى أن الزوج بحكم الشريعة الإسلامية وحكم العرف له السلطان الأقوى في شؤون الزوجية، فإذا لم يكن مساويا لزوجته أو أعلى منها في المنزلة استنكفت أن يكون له هذا السلطان وهذه القوامة، فإذا لم تتحقق الكفاءة اختلت روابط المصاهرة وضعفت.
شرط لصحة الزواج
ويستعرض د.عبدالعزيز القصار هذه القضية قائلا: لقد شرع الله تعالى الزواج سكنا ومودة ورحمة بين الزوجين، قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، فالزواج شرع لغاية عظيمة ولا يتحقق الغرض من الزواج إلا بتوافر دواعي نجاحه واستمراره وهو التكافؤ بين الزوجين، وقد تكلم الفقهاء عن موضوع التكافؤ في أبواب النكاح وفصلوا فيها القول، وعرض بعضا مما قاله الفقهاء في هذا الشأن، موضحا ان معنى التكافؤ في اللغة هو الاستواء والتعادل، وكل شيء ساوى شيئا حتى يكون مثله فهو مكافئ له، والكفؤ: هو النظير والمساوي ومنه الكفاءة في النكاح، أي يكون الزوج مساويا للمرأة في حسبها ودينها ونسبها وبيتها وغير ذلك، أما عن المعنى الاصطلاحي فقد اختلفت الفقهاء في تعريفها، فعند الحنفية انها مساواة الرجل للمرأة في الأمور المعتبرة في النكاح، وعند الشافعية أنها أمر يوجب عدمه عارا، وإجمالا فالكفاءة هي وسيلة تحقيق استقرار الحياة الزوجية، وهو التقارب المعنوي والمادي بين الزوجين، بحيث تشعر المرأة وأولياؤها بمكافأة الزوج لهم.
شروط النكاح
وحول شرط صحة النكاح في الكفاءة قال: الفقهاء اختلفوا في ذلك، فذهب الشافعية والحنفية في ظاهر الرواية وهو المعتمد عند المالكية، والمذهب عند أكثر متأخري الحنابلة والأصح كما جاء في المقنع والشرح، وهو أن الكفاءة تعتبر للزوم النكاح لا لصحته غالبا، فيصح النكاح مع فقدها، لأنها حق للمرأة والأولياء، فإن رضوا بإسقاطها فلا اعتراض عليهم، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج بناته ولا أحد يكافئه، وبأنه صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس وهي قرشية أن تنكح أسامة بن زيد مولاه فنكحها بأمره، وزوج صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية، وقالوا ان الكفاءة لا تخرج عن كونها حقا للمرأة والأولياء فلم يشترط وجودها.
وأكد د.القصار ان انتظام المصالح يكون عادة بين المتكافئين، والنكاح شرع لانتظامها، فالشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس وتُعيّر بذلك، ولأن النكاح وضع لتأسيس القرابات الصهرية ليصير البعيد قريبا، وعضدا وساعدا، يسره ما يسرك، ذلك لا يكون إلا بالموافقة والتقارب ولا مقاربة للنفوس عند مباعدة الأنساب. وقد قال الشافعية: ان الكفاءة وإن كانت لا تعتبر لصحة النكاح غالبا بل لكونها حقا للولي والمرأة، إلا انها قد تعتبر للصحة كما في التزويج.
وزاد القصار: وقول الشافعية بكراهة التزويج من غير الكفؤ عند الرضا إلا لمصلحة، فقد قال العز بن عبدالسلام: يكره كراهية شديدة التزويج من فاسق إلا ريبة تنشأ من عدم تزويجها له، كأن خيف زناه بها لو لم ينكحها أو يسلط فاجرا عليها.
وأشار د.القصار إلى ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الكفاءة شرط في صحة النكاح لا لزومه، وقال الإمام أحمد إذا تزوج المولى العربية فرق بينهما، وقال: لو كان المتزوج حائكا فرق بينهما لقول عمر رضي الله عنه: لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء، ولأن التزويج مع فقد الكفاءة تصرف في حق من يحدث من الأولياء بغير إذن، فلم يصح كما لو زوجها بغير إذنها.
وحول جانب اعتبار الكفاءة عند الرجال او النساء، أوضح د.القصار ذلك بقوله: عند جمهور الفقهاء تكون في جانب الرجال للنساء ولا تعتبر في جانب النساء للرجال، بمعنى ان الرجل هو الذي يشترط أن يكون كفؤا للمرأة ولا يشترط أن تكون المرأة كفؤة للرجل، لأن الزوجة وأهلها هم الذين يأنفون من زواج غير الكفؤ ويعيّرون بدناءة نسبه، فيتضررون بذلك، فكان لهم أن يدفعوا الضرر عن أنفسهم بالاعتراض على نكاح من لا تتوافر فيه خصال الكفاءة.
يفسخ العقد
وحول الرأي القانوني، وهل هناك في القانون نص لشرط لزوم الكفاءة في الزواج؟ يوضح المحامي منصور السويلم هذا بقوله: اشترط قانون الأحوال الشخصية رقم (51/84) في لزوم عقد الزواج أن يكون الرجل كفؤا للمرأة أو وليها، وطلب فسخ العقد مفاد المادة (38) وثار خلاف حول الكفاءة، فذهب بعض العلماء إلى انها المساواة او التقارب المادي او الاجتماعي بين كل منهما، فلا يكون هناك فرق شاسع بينهما، إلا ان المشرع الكويتي قد اتخذ مذهب الإمام مالك، شريعة له فقصر الكفاءة على الصلاح في الدين، فنص في المادة (34) من القانون سالف الذكر على ان: «العبرة في الكفاءة بالصلاح في الدين».
واستخلاص الكفاءة من سلطات محكمة الموضوع، فتقدّر من خلال الشهود والقرائن توافر الكفاءة من عدمها.