لننظر إلى هذه الحياة بنظرة شاملة وبعيدة كل البعد عن صغائر الأشياء، حتى نكون إلى الحكمة أقرب، وإلى فهم حقيقة الحياة أصوب، وتتشكل لدينا قلوب تنبض عدلا وإنصافا.
المتمعن في الحياة سيرى هوانها وهوان ما فيها، فالكل قد (عجنته) الحياة، وتلقفته بأسنانها، ورمته تحت ثراها، وفوق كل هذا تركت (الديدان) تنهش في الأجساد بأريحية! وهيأت لها الجو المناسب!، حتى باتت «حفلات الديدان الصاخبة» تحت الثرى، يسمع لها دوي يهز الآذان - الواعية فقط - وهي تستقبل الأجساد فرحة بقدومها!
إذن، الدوام لله وحده، ولا دوام لفقير مهما قل شأنه، ولا دوام لغني مهما عظم شأنه، وعلينا الإحجام عن طريق الجور فورا، حتى نفلح وننجح ونفلت من موقف الحساب العسير.
ويحضرني بيت كتبته قديما يقول:
هذه الدنيا فراق ولقاء
والكل فان ولله البقاء
وبما أن الحياة فانية فمن المعيب التمسك بها تمسكا وثيقا، والخروج منها بقلب به لفحة ظلم، فالعاقل عليه أن يحرص بأن يخرج منها وهو نقي القلب والثوب والكف.
وبما أننا ذكرنا «سيرة الظلم»، فمن صوره أن يظلم الإنسان نفسه بأشياء لا قرار له بها، بحيث يضع نفسه في موضع الظلم ويروج له، ويناصر ويدافع عن القول والفعل الظالم، دون أن يضع في ذهنه ذاك «الرحيل» المحتوم، ويتناسى ذلك الحساب الموعود، وهنا غاية الظلم للنفس!.
لذلك علينا تجنب «مواضع الظلم» ومن أراد الخوض بها فعليه قول كلمة الحق أو الصمت حتى لا تتلطخ صحيفته ببشاعة الظلم، فإن مصير تلك الصحيفة موجع غاية الوجع!، ومن لم يشارك بكلمة الحق، وهو قادر على قولها، فهو ظالم.. ظالم، فالقادر على قول الحق ويحجم عن قوله لا يعد من فضلاء الناس وخيارهم أبدا، بل هو منسوب لشرارهم وأحقرهم قدرا!.
ولنتساءل: كيف نعرف الظالم من العادل؟ -من عامة الناس- وحتى نعرف يجب علينا أن نتوقف عند آراء ذلك الإنسان في القضايا الواضحة في عدالتها، فإن وجدنا له آراء أو أقوالا مؤيدة للأساليب الظالمة، فهو ظالم، وأن رأينا رفضه القاطع لتلك الأساليب، فهو عادل.
إذن «القضايا العادلة» ذات العدالة القطعية، تعد هي «الفيصل» لمعرفة ميزان العدالة عند كل واحد.
لذلك فإن الظلم شنيع -الظلم ظلمات يوم القيامة-، وأن الله قد أعد للظالمين عذابا أليما، فعلينا تجفيف منابع الظلم، والوقوف عند الأسباب التي أنتجت لنا أفرادا مظلومين، فالمظلوم يعيش حالة من الوجع والقهر قد تودي به إلى دروب خطيرة، فهو يحتاج الخلاص و«الفزعة» حتى يعيش في مأمن من جور كف الإنسان وطغيانه، وعلينا أن نتقي الله وأن نراعي «الحلال والحرام» وأن نتقي دعوة المظلوم فإنها لا ترد.
أصلح الله الجميع، والله خير ملاذ ونعم المولى ونعم النصير.
***
يقول المولى عز وجل (اعدلوا هو أقرب للتقوى). «المائدة»
ويقول سبحانه (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) «هود».
hanialnbhan@