- «الشللية» في الوسط الفني ليست خطأ والدليل مجموعة «ضيعة ضايعة»
دمشق - هدى العبود
أغلب من كتب من العرب عن المسرح والدراما والميلودراما شددوا على إعلاء القيم النبيلة، ومواجهة موجات الدمار والتخلف، وإعادة بث الحياة النقية، لأنها وظيفة نبيلة حقا، ومطلوب من أي فن أن يجعل منها قيمة إنسانية وأساسية له، ولهذا كرر كبار الفنانين العرب من مسرحيين وممثلين الدعوات والنداءات مناشدين أهل الفن «أن يكون الفن بكل أطيافه وأشكاله مدرسة للأخلاق والحرية» فنحن ولا أحد غيرنا نمتلك القدرة على بث الحياة في مجتمعاتنا، فلنبثها معا من أجل عالم عربي متحضر فنيا وإنسانيا، وبعد التركيز على وظيفة الفن بأشكاله نصل الى علاقة إنسانية عربية موحدة تخاطبنا بلغة الفن من خلال المسرح والدراما التاريخية والمعاصرة والفانتازيا والسينما.
والسؤال هنا وأمام هذه الكوكبة الفنية الشبابية الرائعة التي نشاهدها اليوم في المعهد العالي للتمثيل بدمشق «ترى هل نحن قادرون على أن نكون شمسا تشعل العالم برقصة كونية وبشر كونيين شغوفين مغرومين بالفن والغناء والرقص والمسرح والتمثيل، هدفنا الانتقال الى عالم خال من الصراعات التي أرهقتنا؟» هذا ما أراده أساتذة وطلبة المعهد العالي للتمثيل في دمشق أن يرسلوا رسالة مفادها «الفن رسالة إنسانية وكم نحن بحاجة للحياة بسلام»، وذلك من خلال استقبال النجوم السوريين على مقاعد جامعاتهم التي نهلوا منها فنا راقيا ساميا قدم من خلال أعمالهم التي تهدف الى حب الوطن والعيش بسلام، وكان ضيف ملتقى الإبداع بالمعهد العالي للفنون المسرحية الفنان باسم ياخور بعد خمسة وعشرين عاما من التخرج.
«الأنباء» تلقت دعوة لحضور الملتقى والذي احتفى بباسم ياخور، حيث عمدت الإدارة أن يكون الاستقبال مؤثرا بمناسبة تكريمه من خلال أغنية مسلسل «ضيعة ضايعة» الشهيرة بموقعها الجغرافي، وهي قرية صغيرة من ريف مدينة اللاذقية، تقع في آخر نقطة على الحدود السورية- التركية، بمنطقة غاية في الروعة والإدهاش، لكنها بعيدة كل البعد عن التكنولوجيا والحضارة، ولمن لا يعرف اسمها الحقيقي فهي «أم الطنافس الفوقا»، وكانت قناة أبوظبي الفضائية السباقة في العرض الأول لسلسلة العمل عام 2008.
ما أسلفته هو مقدمة لتصريح الفنان باسم ياخور لـ «الأنباء» أن «ضيعة ضايعة» نجح لعدة أسباب، أولها أن الكاست الفني كان من أولاد البيئة ذاتها، وقال: الفنانون جميعهم من أبناء مدينة اللاذقية، لذلك لم نعش حياة الغرباء أثناء التصوير، وبقدر نجاح المسلسل عربيا وعالميا، أقول عالميا لأنه ترجم لعدة لغات، كان الخوف من قبل الكاست والمخرج ألا يلاقي العمل أي نجاح أو صدى، خاصة بعد أن زارنا بعض الزملاء في موقع التصوير، واعتبروا المسلسل «تهريج في تهريج»، وكانت المفاجأة أثناء العرض الأول حصد جماهيرية غير متوقعة، ولم تهدأ مواقع «السوشيال ميديا» وهواتف الفنانين وأنا واحد منهم بالتهنئة.
وعن شخصية «جودة أبو خميس»، قال ياخور: أعتبرها مميزة عن باقي الشخصيات، والأهم أنها نجحت «وطلعت هيك»، وللتوضيح بداية عملنا «اسكتش» في «بقعة ضوء» من خلال شخصيتين هما «جودي» و«أسعد»، هذا يؤكد أن «بقعة ضوء» كان مشروعا فنيا ناقدا قائما بحد ذاته، ويمكن أن يكون مشروعا عظيما وناجحا من خلال اللوحات أو الاسكتشات التي كتبها د.ممدوح حمادة، والنتيجة أن اجتمعنا واتفقنا على أن تتطور الاسكتشات أو «بقعة الضوء» الى مسلسل.
وأكمل: شخصيا أريد أن أرد على من يصف «الشللية» في الوسط الفني بأنها عبارة عن مجموعة تحاول تصنيع مشاريع، هذا ليس خطأ، فالمجموعة التي اتفقت على أن يكون «ضيعة ضايعة» مسلسلا كانت عبارة عن مجموعة متفاهمة قوامها فنانون متحابون متآلفون، ومن منا لا يعرف المرحوم النجم نضال سيجري، فادي صبيح، غادة بشور، تولاي هارون، أمال سعد الدين، حسين عباس، الكبير جرجس جبارة، الكبير المرحوم زهير رمضان، عفوفة، والقائمة تطول.
وأردف: جميعنا قررنا البحث عن هذا المشروع، وعن كيفية ظهوره للنور، وتوج ذلك باتفاق بين المخرج الليث حجو والكاتب د.ممدوح حمادة، ونجح المشروع وتميز بالعفوية، بالإضافة الى البيئة الحاضنة من حيث المكان، بجانب اللهجة التي أضفت على العمل صبغة مميزة، وتكلل جزئية بالنجاح.
أعود وأكرر، لقد كنا خائفين جدا أنا والمرحوم نضال سيجري وندعو الله ألا يتعرض العمل للنقد، خاصة بعد أن زارنا بعض اصدقائنا الفنانين، وقالوا «شو هل التهريج والمسخرة»، وعند توقيت عرض المسلسل «والله وقف قلبي» لكن والحمد لله أعيد عرضه على عدة قنوات ومنها قناة أبوظبي، ولم يهدأ هاتفي من المعجبين بالمسلسل، تلقيت آلاف الرسائل من الإطراء والإشادة بالعمل، خاصة لشخصية «جودة أبو خميس»، وزملائي كذلك لاقوا نفس الحب والإشادة بأدوارهم، وأشكر الله أن المسلسل عمل ثورة في ذلك الوقت، علما انه أثناء العرض الأول لم يكن هناك «يوتيوب» واصبحنا نسجله على «سيديهات» ويرسل الى أوروبا وأميركا وكندا، بالنتيجة أريد أن أوصل فكرة ان النجاح كان نتاج عمل جماعي، وتجربتي هذه اعتبرها لها علاقة بالأعمال الأكاديمية، والمنتج أديب خير كان يتوقع انه جازف بالإنتاج وان المسلسل لن ينجح.
وردا على سؤال يتعلق بتواجد فنانين داخل الوسط دون دراسة أكاديمية، قال ياخور: لن أتحدث إلا عما جرى معي، عرض علي أن أكون مشاركا بإحدى الورشات الفنية في دبي ورفضت العرض، بسبب وجهة نظري ان لا أكون حالة بديلة لهذه المؤسسة، لأن الطالب الذي يدرس أربع سنوات ليصل الى حالة معينة ويقدمها ليثبت نفسه فنيا، بصراحة وبالعامية «ما بيصير أن أختزل هذه الشهادة العلمية العليا بشهر زمان» هناك أناس موهوبة، لكن بدرجات متفاوتة ومن دون دراسة وتحقق مشاريعها او طموحاتها، وشخصيا أعتبرها حالة متناقضة إنسانيا، وبما أنني فنان درس اربع سنوات أشعر بالظلم تجاه من درس وتعب، وهناك سؤال يراودني «ترى أين منطقية ومصداقية هذه الورشات؟»، علما ان من يدرسون في هذه الورشات هم نتاج المعهد العالي الذي نجلس فيه اليوم مع ثلة من الصبايا والشباب الذين سيتخرجون ويغنون الحركة الفنية السورية والعربية.
وأضاف: السؤال «هل من المنطقي أن يكون الوقت والجهد والتفرغ لمدة شهر أو شهرين تقديم فنان قد يكون موهوبا على حساب الفنان المتفرغ للدراسة أربعة أعوام؟» لكنني أقول كل الاحترام لمن يعمل بهذه الورشات وأعمالهم بدوافع نبيلة، والسؤال هنا «أين العدل في ان يكون فنان خريج أكاديمي كومبارس وراء ممثل يحمل شهادة من قبل ورشة عمل؟»، هذا ليس عدلا، هناك مخطط أكاديمي لتخريج الطالب ليصل إلى صقل موهبته وحالته الإبداعية، هذه الورشات مشكوك بأمرها على الصعيد العلمي أو الأكاديمي.