الفجور هو الميل عن الحق إلى الباطل، وهو اسم جامع لكل شر، وهيئة حاصلة للنفس بها يباشر أمورا خلاف الشرع والمروءة، أما الخصومة فهي جدال ونزاع شديدان، وادعاء طرف الحق وإنكار الطرف الآخر عليه هذا الحق، وهناك نقاش وجدال عقلاني رزين، كما أن هناك جدالا لا يمت للعقل بصلة، وقد انتشرت عندنا في الكويت بدعة الفجور في الخصومة انتشارا كبيرا، علما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ووصف من يفجر في خصومته بالمنافق وهو كذلك، حيث قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» (رواه البخاري ومسلم).
ولا شك أن الفجور في الخصومة قلة مروءة وضعف في الشخصية، ووقاحة وانحراف عن جادة الصواب وغفلة عن حساب الله تعالى، وموت لضمير الإنسان (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) سورة «ق».
إن الخلاف يحدث بين الناس منذ الأزل، فيتخاصم الناس ويتجادلون، ولكن خصام اليوم مختلف جملة وتفصيلا، فخصام اليوم شهد نكسة في شرف الخصومة وتجنيا وتعديا وتجاوزا للخطوط الحمراء، وضياعا للحق في خضم هذا الجدال المقيت، وتعدى الأمر إلى سب وقذف الأسر دون خوف من الله تعالى، وقد وصل الأمر إلى أن تنسب صفات سيئة لمن تختلف معه ليست فيه، ولعل هذه الفئة من الناس يجهلون أو بالأصح يتجاهلون آداب الاختلاف حتى أصبحت اليوم فضيلة مغيبة، وفي ظل هذا الانفلات الأخلاقي نسمع اتهامات باطلة من هذا وذاك لأناس أبرياء وهذه ضريبة الحرية بلا سقف والخافي أعظم.
كان الخوارج يقاتلون المهلب بن أبي صفرة في النهار قتالا شرسا ويتبادلون الأحاديث مع جنوده ليلا ويتسامرون وهم أعداء، ولا أشبه الفجور بالخصومة إلا بالإرهاب، فالفاجر في خصومته يتجاوز كل الأعراف، والعجيب أن هناك من يصفق له ويشجعه، لأن الطيور على أشكالها تقع، نسأل الله أن يهدي الجميع إلى سواء السبيل. ودمتم سالمين.