أنزعج كثيرا عندما أرى مسلما عنصريا!، لأن ديننا العظيم جاء ليمحو كل طباع الجاهلية، ويوقف كل صنوف الغرور والتعالي والكبر وغمط الناس، ورسّخ الخلق الكريم وجعله المنهاج المصلح للبشرية، وقد قال النبي ﷺ «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق».
إذن ديننا دين الأخلاق، وبالأخلاق ساد، ومن غير المنطقي أن تكون «مسلما عنصريا»!، فكيف تنتمي إلى الإسلام وفي الوقت نفسه تعتقد أنك العنصر الأهم، والأفضل، والأكمل، والأمثل تجاه إخوانك المسلمين وتراهم أقل منك؟!
كيف تنتمي إلى الإسلام وأنت تجوب مسرح الحياة وتمارس «خطاب العنصرية» وتظن أنك مخلوق من «طين فاخر» وخاص يختلف عن باقي الطين الذين خلقت منه البشرية! إنه شعور مزعج، ووضع مؤسف، أن يكون شكل المسلم هكذا!، فالإسلام ليس بالاسم فقط، بل سلوك متكامل له جانب ظاهر وجانب باطن.
وأتساءل: أليس من الواجب على المسلم أن يقتدي بالنبي ﷺ الذي جاء بالإسلام؟!، فالنبي ﷺ دعوته جاءت لتساوي بين الناس وتجعل التقوى مقياس الأفضلية، ووضعت لنا الحدود التي يلزمنا التمسك بها، وعندما هاجر ﷺ إلى المدنية التي نورت بقدومه الميمون قام بالمؤاخاة بين الصحابة، فلم تكن هناك أزمة «حدود» ولم تظهر كلمات عنصرية ككلمات هذا الزمن!، وحينها لم يجد المهاجرون عند قدومهم إلى المدينة كلمة بها انتقاد لهذه الهجرة المباركة من قبل أهل المدينة (الأنصار) بل استقبلوهم بفيض من البهجة والترحيب، وأصبحوا جسدا واحدا ينبض بالحب والود.
لذلك نقول لمن نخر هذا النفس العنصري في قلبه: اقتدِ بأخلاق نبيك ﷺ، فلعلك تفيق من هذا الخلق الذميم الذي جعلك وحيدا وبعيدا عن طباع فضلاء الناس وكرامهم،، فالنبي ﷺ عندما قدم إلى المدينة هو وأصحابه، وتركوا وطنهم (مكة) قال حينها:
«ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك»، فكان يتألم لفراقها، لكنه وجد الأمان، فوجد من أهل المدينة الاستقبال المفعم بالفرحة والبهجة وكأنه بدر طلع عليهم، فلم يسمع نفسا أو صدى به عنصرية رافضا لهذا القدوم، ولم يقل من أحد من أهل المدينة، أنهم ليسوا (أهل مكان) وإنهم غرباء!، بل كانت الفرحة والبهجة تعم كل أرجاء المدينة، فهذه أخلاق نبينا وأصحابه، ويجب علينا الاقتداء بها.
وبعد هذه الهجرة، ولأن الانتماء الأول والأخير في ذاك الوقت هو الانتماء للإسلام،، كانت درجات المحبة عالية للغاية، لذلك قام النبي ﷺ بجمع شمل الجميع بـ«المؤاخاة»، فقرب وآخى بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين أبي بكر وخارجة بن زهير، وآخى بين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ، وغيرهم من الصحابة، فكان المجتمع كله يجمعه الحب والانتماء إلى الإسلام فقط.
أعلم جيدا أن الزمن النبوي هو زمن فاضل بكل المقاييس، وأننا من الصعب أن تكون لدينا أخلاق تصل إلى درجة أخلاقهم، وأعلم أن هذا الزمن مخيف للغاية بسبب انحدار مستواه، ولكن يجب علينا أن نتحلى بأخلاق نبينا وأن نقتدي به، فنحن مأمورون بذلك، (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
ومن هذا المنطلق، أدعو إلى نبذ خطاب الكراهية الذي يفرق الشمل، ويمزق القوة، ويفرح العدو، ويقرب الشر، ويبعد الخير، ويضيع القيمة، ويبدد الآمال، ويضيق الآفاق الواسعة، أدعو إلى نبذ كل هذا، خصوصا ونحن نعيش أجواء انتخابات مجلس الأمة 2023، فنحن ننتمي لدين الأخلاق، ويجب أن نكون على خلق كريم في كل تفاصيل حياتنا.
ووفق الله الجميع لرضاه وتقواه، والسلام عليكم إخوتي في التراب.