ساد شعور بالحماس أسواق الأسهم الأميركية منذ أطلقت شركة «أوبن إيه.آي» تطبيق «شات جي.بي.تي» وتلتها إعلانات من كبرى شركات التكنولوجيا مثل «مايكروسوفت» و«ألفابت» المالكة لغوغل بشأن تقنيات جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وأدى الاهتمام بالرقائق المستخدمة في القطاع الناشئ المدفوع بالطلب على روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي ووحدات معالجة الرسوميات (GPU) عالية القدرة والمستخدمة لتدريب روبوتات المحادثة على أجهزة كمبيوتر عملاقة، إلى تدافع المستثمرين صوب أسهم بعينها.
وبالفعل ارتفعت أسهم شركة «إنفيديا» المنتجة للرقائق بقوة صاروخية إلى قيمة سوقية عند تريليون دولار، لتؤكد أن قطاع التكنولوجيا رهان رابح في السوق خاصة بعد أن دفع القطاع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» للارتفاع نحو 20% من قاع بلغه في أكتوبر الماضي، ما يشير من الناحية الفنية إلى سوق صاعدة جديدة، لكن في الوقت ذاته أثار تركز المكاسب في قطاع واحد مخاوف من أننا قد نتجه إلى فقاعة جديدة.
هيمنة
عندما نتطلع إلى ما يحدث في وول ستريت نجد أن هيمنة أسهم التكنولوجيا واضحة أمام الجميع، فالمؤشر «ناسداك» الزاخر بشركات التكنولوجيا ارتفع قرابة 27% منذ بداية العام بينما ارتفع المؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الذي يضم أكبر الشركات المتداولة في الولايات المتحدة، ويمثل انعكاسا أكثر موثوقية للاقتصاد الأميركي 12% فقط.
وصعد المؤشر «راسل 2000» الذي يضم الشركات الأصغر حجما في الولايات المتحدة بنسبة 6% فقط، وارتفع المؤشر «داو جونز» الذي يضم الشركات العاملة في القطاعات التقليدية نحو 2% فقط.
ووفقا لبنك أوف أميركا، فإن 7 شركات تكنولوجيا عملاقة هي «مايكروسوفت» و«أمازون» و«ألفابت» المالكة لغوغل، و«أبل» و«تسلا» و«ميتا» و«إنفيديا» باتت تشكل نحو 28% من القيمة السوقية للمؤشر «ستاندرد آند بورز 500». وهذا أعلى مستوى تصل إليه تلك المجموعة من الشركات تاريخيا.
وأضافت «إنفيديا» و«مايكروسوفت» و«ألفابت» و«أبل» و«أمازون» و«ميتا» إجمالا 3.1 تريليونات دولار من حيث القيمة السوقية منذ بداية العام الحالي وفقا لبيانات من «إيه.جيه بيل». وباستثناء تلك المساهمات يكون «المؤشر ستاندرد آند بورز 500» قد خسر 286 مليار دولار منذ بداية العام.
وفي الواقع، فإن القيمة السوقية للشركات السبع باتت أكبر من القيمة السوقية الإجمالية لبقية الشركات المدرجة في المؤشر الرئيسي الأميركي والعاملة في قطاعات الصناعة والتمويل والطاقة وغيرها.
وارتفع سهم شركة «أبل» بأكثر من 40% لتبلغ القيمة السوقية للشركة نحو 2.8 تريليون دولار بينما انخفض سهم «مايكروسوفت» 40%، وبلغت القيمة السوقية للشركة 2.5 تريليون دولار، في حين ارتفع سهم «إنفيديا» بنسبة 175% تقريبا.
وتماشيا مع تلك الطفرة، وبطريقة دائرية، يتدفق المستثمرون على أسهم التكنولوجيا. ففي الأسبوع الأول من يونيو، تدفق 8.5 مليار دولار على الصناديق المتخصصة في الاستثمار بأسهم التكنولوجيا وهو رقم قياسي.
وفي الواقع شكلت الأموال التي تدفقت على تلك الصناديق غالبية الأموال الداخلة إلى صناديق الأسهم في ذلك الأسبوع، والتي بلغت 13.3 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها و14.8 مليار دولار في العالم.
وبالمقارنة، فإن التدفقات المالية للصناديق المتخصصة في الاستثمار بالسندات بلغت 1.1 مليار دولار فقط على الرغم من أن السندات تمثل إحدى فئات الأصول القوية التي تدر عائدا يتراوح من 4 إلى 7%.
خطر شديد
وقال الاقتصادي «ديفيد روزنبرغ» المعروف بآرائه المتناقضة، إن طفرة الذكاء الاصطناعي الحالية يمكن أن تؤدي إلى انهيار مثلما حدث لأسهم شركات الإنترنت أواخر التسعينيات.
وانفجرت فقاعة الدوت كوم عندما جف رأس المال بعد تبن هائل للإنترنت وانتشار رأس المال المغامر في الشركات القائمة على الإنترنت خاصة الشركات الناشئة التي لم يكن لها سجل حافل من النجاحات.
وقال بنك الاستثمار الأميركي «مورجان ستانلي»، إنه على الرغم من المكاسب التي حققتها المؤشران «ستاندرد آند بورز 500» و«ناسداك» منذ بداية العام والوفرة التي اكتسبها المستثمرون بفضل الاختراقات في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن سيطرة حفنة من أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى على المؤشرات القياسية تسببت في تركيز شديد ينبئ بخطرين كبيرين على السوق.
وقال إن الخطر الأول يتمثل في ارتفاع التقييمات، فقطاع التكنولوجيا يبدو مرتفع القيمة على نحو متزايد.
وتضخم مكرر الربحية في القطاع إلى حوالي 29 مرة بزيادة 46% عن مستواه في يناير. ويبلغ متوسط مكرر ربحية أكبر 10 أسهم تكنولوجية مستوى أعلى عند 39. هذا بالمقارنة بمضاعف ربحية في القطاعات غير التكنولوجية عند 16 تقريبا.
وتعتمد تلك التقييمات المرتفعة على انخفاض أسعار الفائدة، وبالتالي فإنها تعرض أسهم التكنولوجيا للخطر، حيث قد يدفع استمرار التضخم مجلس الاحتياطي الاتحادي للإبقاء على أسعار الفائدة عند معدلات مرتفعة لمدى أطول.
وأضاف البنك أن الخطر الثاني يتمثل في ارتفاع التوقعات، فقد سجلت أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى انخفاضا في الأرباح على أساس سنوي بنسبة 17% تقريبا. وعلى الرغم من ذلك، تتوقع الأسواق تغيرا كبيرا في حظوظ تلك الشركات، حيث تتوقع نمو الأرباح 27% في الاثني عشر شهرا المقبلة. والفجوة بين أحدث نتائج أعمال والتقديرات المستقبلية أكبر من أي وقت مضي. وبالمقارنة، تشير توقعات الأرباح لبقية مكونات المؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى نمو بنسبة 1.5% فقط.
وقال البنك إن هذه الديناميكيات التي تشير إلى التركز والافتقار إلى التنويع تفاقم هشاشة السوق وتشكل مخاطر على المستثمرين الذين تنكشف محافظهم بشكل سلبي كبير على مؤشرات الأسهم الأميركية القياسية.
دلالات الأرقام
لكن ثمة إشارات تحذير، فقد تفوقت أسهم التكنولوجيا على المؤشرات الأوسع نطاقا بأكبر قدر منذ انفجار فقاعة الدوت كوم في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وفقا لأحد المقاييس.
وفاق مؤشر «ناسداك» مؤشر «داو جونز» الصناعي بمقدار 9.3 نقطة مئوية في مايو، إذ حقق المؤشر الزاخر بشركات التكنولوجيا عوائد تصل إلى 8% بفضل مكاسب قوية لسهم «إنفيديا».
والفجوة هي الأكبر بين المؤشرين الرئيسيين في سوق الأسهم منذ أكتوبر 2021 وفقا لبيانات «داو جونز» التي نقلتها «ماركت وتش».
ووفقا «لبنك أوف أميركا»، فإن النسبة بين أسهم التكنولوجيا التي سماها البنك «احتكارية» (هي الأسهم الكبيرة المدرجة في المؤشر ناسداك 100)، والأسهم الصغيرة الأميركية والتي تتركز في المؤشر «راسل 2000» عادت إلى المستوى المسجل عشية أزمة الدوت كوم في أوائل القرن الحادي والعشرين.
وبلغت النسبة ذروتها في مارس من عام 2000، وبعد ذلك بوقت قصير انفجرت فقاعة الدوت كوم. في الواقع وصف «بنك أوف أميركا» التدفق إلى المحرك الذي يدفع أسهم التكنولوجيا للصعود وهو الذكاء الاصطناعي بأنه «فقاعة صغيرة».