- المذكور: بعض الحجيج يغلب عليهم الجهل بأخلاق الإسلام
- العنزي: لا يجوز للحاج الانشغال بالدنيا فهي أيام معدودات
- الشطي: ابتعد عن الجدال العقيم في رحلة الحجاج التعبدية
- النجدي:الحج مدرسة تربوية في الأخلاق والامتثال لأوامر الله ورسوله
للحج أخلاق وآداب يجب التزام الحاج بها، وقد جعل الله عزّ وجلّ للحج أحكاما وقواعد فرض على الحجاج الالتزام بها لكي يرجع الحاج الى بلده كما ولدته أمه، وفرض عليه عدم الجدال الذي يولد البغضاء ويُذهب روحانيات الحج.
عن تلك الآداب يحدثنا علماء الشرع:
أكد د.خالد المذكور، أن الحج رحلة كريمة ينتقل فيها المسلم ببدنه وقلبه الى البلد الأمين، وقال: إن الحج غذاء روحي كبير تمتلئ فيه جوانح المسلم خشية وتقى لله عزّ وجلّ وعزما صادقا على طاعته، وندما وبعدا عن معصيته، وتنمو وتترعرع فيه عاطفة الحب لله ولرسوله وللمؤمنين الصادقين، والمؤمن يزداد في حجه في كل خطوة يخطوها يقينا جازما وراحة للنفس والقلب لأنه يتقلب من عبادة إلى عبادة ومن موقع إلى موقع يحدوه النداء الخالد (لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) وقال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، وأضاف: فالحج ركن من أركان الإسلام، وفيه يلتقي المسلمون من كل مكان في بقعة من اشرف بقاع الأرض وبيت من أطهر البيوت الا وهو بيت الله الحرام، فالحج عبادة عظيمة يظهر فيها المسلم خضوعه لله واعتزازه بدينه وتبرؤه من الكفر والشرك.
وبين أن الحج نسك من اعظم القربات إلى الله عزّ وجلّ وفيه من المنافع الدينية والدنيوية وفيه التقرب إلى الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه (رواه البخاري).
آداب وأخلاق
وأكد د.المذكور على آداب يجب أن يتحلى بها الحاج، منها الالتزام بالنظافة والصدق والتواضع، وأن يبتعد عن الكذب واللعان والفسق والغيبة والنميمة والحرام بأكمله والشبهات والمزاحمة والغلظة والسفه والقول الوضيع وغير ذلك من الأخلاق الذميمة التي ليست من اخلاق الاسلام مطلقا، حيث إن بعض الحجيج يغلب عليهم الجهل بأخلاق الإسلام فيمارسون تصرفات لا تليق بالحج، والله عزّ وجلّ لا يقبل حجهم لأن الحج الحقيقي أخلاق وآداب في منتهى الكمال، وهي اتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين كانوا يعتبرون الحج فرصة للتطهر والعبادة الكثيفة فلا يقعون في فسق ولا خطأ أبدا ولا همّ لهم سوى التضرع والتهليل إلى الله معتمرين ومخلصين ومهذبين لا يشغلهم طعام ولا شراب عن عبادة الله وعن الاكثار من الذكر والصلاة في أوقاتها والعمل الصالح وأخذ الدروس والعبر حتى يعودوا في نقاء وصفاء كما وعدهم الرحمن، فمن أوجب على نفسه الحج وأحرم به فعليه ان يتجنب الأمور التي تنافي أدب الحج وعليه أن يتجرد لله تعالى، ويتخلى عن عاداته السيئة وعن التمتع بنعيم الدنيا لأنه مقبل على الله قاصدا رضاه، فعليه ان يترك النساء والتمتع بهن وأن يترك المعاصي وأن يتزود بكل عمل صالح يقربه من الله عزّ وجلّ.
الجدال
وحول قوله تعالى (ولا جدال في الحج) يفسر ذلك د.سعد العنزي بقوله: الجدال المحرم والمقصود في الآية هو الجدال فيما هو معلوم لدى المسلمين بالضرورة وواضح في الحكم والاثبات، فلا حاجة للمسلم ان يجادل بما هو حق وثابت ولا يجوز ايضا الانشغال بالدنيا في وقت الحج وفي أيام المناسك لأنها ايام معدودة ينبغي على الحاج ان يشغل نفسه بطاعة الله من ذكر وصلاة ودعاء وغيرها من الطاعات، وأما النقاش والجدال في الحق وإثبات حكم الله وبيانه فلا يعد من الجدال الممنوع، وأيضا لا يجوز للحاج ان يشغل الحجيج عن طاعة الله بنشر الإشاعات والأكاذيب حول الأمن العام للحاج او ان يخوفهم أو يرهبهم أو يصدهم عن طاعة الله تعالى، فهذا محرم وهو من الجدال المحرم.
الجدال العقيم
وبين د.بسام الشطي أن الجدال المحظور هو الجدال العقيم الذي لا يغير في الذي تجادله إلا بعدا وإصرارا على ما هو عليه، لأنه صاحب هوى وأعجب برأيه وهو ما يسمى بالمراء الذي ذكر في الحديث الشريف، قال صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا» وهذا يؤثر على الخشوع والإيمان وأداء الشعائر والنسك وقد يكسب العداوة والبغضاء والتأثير السلبي على الحاج في نفسيته فيبقى في ضيق طوال سفره، مؤكدا أن من أهم مقاصد الحج ومنافعه ان يتلاقى المسلمون من كل فج عميق ليتحاوروا ويتفاهموا ويتناقلوا فيما بينهم الأفكار المفيدة والتجارب والخبرات والمعارف الحديثة، فضلا عن اخبار المسلمين في كل بقاع الأرض من خلال مصادر موثوق بها وبعيدا عن عمليات التشويش والتلوين التي تقوم بها وسائل التواصل ولا تنقل الحقيقة مما يدور في بلاد المسلمين جيدا، فعلى حجاج بيت الله الحرام ان يتركوا خلافاتهم السياسية في اوطانهم وأن ينطلقوا في رحلتهم التعبدية مجردين من كل الانتماءات والأهواء السياسية وأن يكون في رحلتهم التعبدية هدفهم تأدية الفريضة في أجواء تسودها روح الود والتعاون وأن يتسلح الجميع بقيم التسامح والعفو والرحمة.
وأضاف، فالمسلم الواعي الحريص على الاستفادة من هذه الرحلة الإيمانية يعرف الخطوط الفاصلة بين الحوار الذي يؤدي إلى التفاهم والتلاقي وبين النقاش الحاد الذي ينتهي بأصحابه الى التعصب الأعمى للرأي، فالحوار مطلوب ومرغوب والنزاع والتعصب مرفوضان، وعلى كل حاج ان يعمل بتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» وقوله صلى الله عليه وسلم «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
الجدال المحظور
أما د.محمد الحمود النجدي فيرى ان الجدال المحظور في الحج بقوله: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) أي: من أحرم بالحج وجب عليه تعظيمه فيصونه عن كل ما يفسده او ينقصه من الرفث والفسوق والجدال، والرفث هو الجماع ومقدماته القولية والفعلية، كالتقبيل ويطلق الرفث ايضا على الكلام الفاحش البذيء، والفسوق هو المعاصي كلها كعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا وأكل مال اليتيم والغيبة والنميمة... إلخ، ومن الفسوق محظورات الإحرام، والجدال معناه المخاصمة والمنازعة والمماراة بغير الحق، فلا يجوز للمحرم بالحج او العمرة ان يجادل بغير حق، ولفت د.النجدي الى ان المجادلة بالتي هي احسن لبيان الحق فهذا مما أمر الله به في قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن...). والفحش في القول والمعاصي والجدال بالباطل وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان فالمنع أولى في الحج لأن المقصود من الحج الذل والانكسار لله والتقرب اليه بما امكن من الطاعات والتنزه عن مقارفة السيئات، مؤكدا أن الحج مدرسة تربوية في الأخلاق والامتثال لأوامر الله ورسوله.