من منطلق اهتمامها برصد الواقع الاقتصادي في الكويت، تصدر شركة «آراء للبحوث والاستشارات» مؤشرا شهريا لثقة المستهلك بالتعاون مع جريدة «الأنباء» وبرعاية شركة «لكزس»، حيث يعتبر مؤشر «ثقة المستهلك» المؤشر الوحيد الذي يقيس العوامل النفسية للمستهلك، مرتكزا على آراء الناس وتصوراتهم عن الوضع الاقتصادي الحالي والمستقبلي، وتوقعاتهم لأوضاعهم المالية. ويرتكز المؤشر على بحث أجري على عينة مؤلفة من 500 شخص، موزعة على المواطنين والمقيمين العرب في مختلف المحافظات، حيث يتم إجراؤه بواسطة الهاتف من خلال اتصالات عشوائية، وتمت مراعاة أن تكون العينة مماثلة للتركيبة السكانية في الكويت. وتستخلص نتائج كل مؤشر من المؤشرات الست بالاعتماد على إجابات أفراد العينة التي يحددها الاستبيان بـ «إيجابي» أو «سلبي» أو «حيادي»، ويتم تحديد نتائج المؤشرات في الشهر الأساس كمقياس للحالة النفسية للمستهلكين في الكويت، وهي تساوي 100 نقطة، وتكون هذه النقطة (الرقم 100) الحد الفاصل بين التفاؤل والتشاؤم لدى المستهلكين.
أصدرت شركة آراء للبحوث والاستشارات التسويقية، مؤشرها لثقة المستهلك في الكويت لشهر مايو 2023 بالتعاون مع جريدة «الأنباء» ورعاية لكزس، حيث سجل المؤشر العام معدلا بلغ 107 نقاط مضيفا إلى رصيده الشهري 4 نقاط، ومرتفعا نقطتين على أساس سنوي، هذه النقاط تحمل مدلولا مهما نظرا لعاملين أساسيين:
الأول: تذبذب أسعار النفط منذ بداية السنة الحالية، إذ تتراجع الأسعار حينا وترتفع أحيانا اخرى بحركة غير مستقرة وبظروف يصعب خلالها تحديد التوقعات الموثوقة لمسار أسواق النفط والغاز. كما يفرض على منظمة أوپيك القيام بمتابعة لصيقة للأسواق واتخاذ التدابير الضرورية التي توازي بين العرض والطلب من جهة، وتسعى الى توازن الأسعار بما يضمن مصالح البلدان المنتجة للنفط والبلدان المستوردة له من جهة أخرى.
الثاني: إن بؤر التوتر في العديد من دول العالم على جميع الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والعقوبات المتبادلة، فضلا عن تداعيات التضخم النقدي ورفع مستوى الفوائد وتداعياتها على سيولة وعلى أسواق المال وأسعار السندات وملامح بداية الركود الاقتصادي في معظم دول العالم تؤدي إلى بلبلة في الكثير من الأسواق وبشكل خاص في القطاع المصرفي العالمي.
جميع هذه العوامل تؤثر مباشرة وأحيانا بشكل ملموس نتيجة رفع الأسعار وتضغط على نفسية المستهلكين ويتراجع مستوى معدلات مختلف المؤشرات.
لذا لا بد لنا من التساؤل عن العناصر الإيجابية التي رفعت معدل المؤشر العام لثقة المستهلك في الكويت، ما دامت الوقائع الدولية غير ملائمة، ما يعني أن استقرار أو تعزيز ثقة المستهلك، متأتية من عوامل داخلية على الصعد الاقتصادية والمالية والاجتماعية الكويتية، أهم عناوينها:
أعلنت مؤسسة موديز ان البنوك الكويتية تعمل في بيئة تشغيلية صلبة.
أثبتت سياسات البنك المركزي نجاحاتها وحققت للقطاع المصرفي الاستقرار في العديد من الأزمات.
حققت المصارف الكويتية أعلى هامش من الربح غير المسبوق في أواخر العام 2022، مع ملاءة مالية متينة.
ومن الطبيعي هذا التطور الداخلي أن يساهم برفع معدلات ثقة المستهلكين.
شبه إجماع لرفع الثقة بالأوضاع الاقتصادية
حصن مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي رصيده الشهري السابق مسجلا 100 نقطة بإضافة اربع نقاط خلال شهر، ومتراجعا سبع نقاط على أساس سنوي.
لا شك أن جملة من القضايا والعوامل شكلت ضغطا على العديد من المصارف الدولية، أهمها رفع الفوائد من قبل البنوك المركزية أدت الى خطر ضآلة السيولة عند بعض المصارف وانهيار نسبي لأسعار بعض الأسهم المالية. إضافة الى تعرض بعض هذه المصارف في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الى خطر الإفلاس، مما اضطر حكومات تلك الدول الى إنقاذها بتقديم قروض طويلة المدى أو الموافقة على دمج تلك المصارف مع مصارف أخرى من اجل اعادة الثقة وتأمين السيولة المالية للمودعين.
علما ان المكاسب التي حققتها بورصة الكويت، ولا تزال تحققها، رفعت مستوى ثقة العديد من العملاء ورجال الأعمال.
ضمن هذه المناخات صححت محافظة مبارك الكبير مستوى معدلها السابق لمؤشر الوضع الاقتصادي الحالي مسجلة 100 نقطة معيدة إلى رصيدها السابق 42 نقطة. كما رفعت محافظة الأحمدي المستوى الشهري إلى 111 نقطة مضيفة 18 نقطة خلال شهر، بينما من جهة أخرى تراجع معدل العاصمة 14 نقطة والجهراء 12 نقطة.
الملاحظ متانة ثقة الشباب 18 - 35 سنة حيث منحوا مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي 12 نقطة إضافية، ومؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا 20 نقطة، كاشفين بذلك ثقتهم بالاقتصاد الوطني الحالي والمتوقع مستقبلا.
كما بين البحث ارتفاع معدل الإناث للمؤشر الحالي 11 نقطة ولمؤشر الاقتصاد المتوقع 18 نقطة خلال شهر، بينما اكتفى الذكور بنقطة واحدة و12 نقطة على التوالي.
أجمع 26 مكونا على إبداء رضاهم على مؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا، رافعين معدلاته بنسب إيجابية متفاوتة، وانفرد مكون واحد الذي يمثل فئة من المستطلعين الذين تجاوزت أعمارهم 56 عاما، معربا عن عدم رضاه.
هذا الإجماع النادر يجسد مدى ترسخ وانتشار ثقة المستهلكين وقناعاتهم الإيجابية بالأوضاع الاقتصادية المستقبلية. وهذه الظاهرة تعكس متانة الاقتناع في اوساط الرأي العام باستقرار وازدهار الوضع الاقتصادي في الكويت.
هذا لا يعني ان الاجواء خالية من الصعوبات مثلا:
تداعيات الاوضاع والبؤر الدولية، حيث توقع البنك الدولي أن مستوى نمو الاقتصاد الكويتي السنوي لن يتجاوز 1.3% خلال العام الحالي، ولكن في مقابل هذه المعطيات بما فيها عدم استقرار سوق النفط وعدم اليقين بمساره، تبقى الثقة عالية والأوضاع متينة.
هذه الصعوبات تقابلها ايجابيات جمة ومنها المكاسب التي تحققها البورصة، الاستثمارات الكويتية الخارجية التي حققت مكاسب خلال العام 2022 بلغت 8 مليارات دولار.
ارتفاع فوائد الحساب الجاري للعام 2022 الى 19.3 مليار دينار، متجاوزا العجوزات الماضية التي أصابت بعض الموازنات السنوية.
نجاح الإجراءات المتخذة من قبل البنك المركزي للحفاظ على سعر صرف الدينار وقيمته الشرائية، التي ترتد بشكل مريح على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
هذه العوامل أدت الى إجماع المستطلعين على رفع مستوى ثقتهم بالأوضاع الاقتصادية المقبلة.
تضارب في مستوى تقييم الدخل الفردي
بالرغم من الاستقرار النسبي لمعدلي مؤشري الدخل الفردي الحالي والدخل الفردي المتوقع مستقبلا، حيث سجل المؤشر الأول معدلا بلغ 97 نقطة بزيادة نقطتين على معدله الشهري السابق، وبتراجع 12 نقطة على الأساس السنوي.
بنسب متقاربة استقر معدل مؤشر الدخل الفردي المتوقع مستقبلا عند 108 نقاط بإضافة نقطة واحدة مقارنة بشهر ابريل الماضي، وتميز هذا المعدل بأنه يفوق معدل شهر مايو من العام 2022 بثلاث نقاط.
مع الاشارة الى ثبات عدة مقومات لحماية الدخل الفردي:
1- الدعم الحكومي للمواد الغذائية والسلع الضرورية فضلا عن الخدمات الطبية والتربوية وغيرها من الخدمات الحياتية.
2- حماية سعر صرف الدينار وقدرته الشرائية.
3- مراقبة حركة الأسواق والمتابعة والاطلاع على الأسعار ومحاسبة المخالفين.
هذه الإجراءات والقرارات والأداء وغيرها تعطي دعما عمليا ونفسيا في أوساط المستهلكين لتقييم ايجابي للدخل الفردي.
في هذا السياق، منح المواطنون مؤشر الدخل الفردي الحالي 108 نقاط بإضافة 20 نقطة خلال شهر، بينما من جهة أخرى تراجع معدل المقيمين العرب بنسبة 14 نقطة.
كما أكدت معطيات البحث على وجود تباينا في التقييم وفي مستوى ثقة مختلف مكونات المستطلعين، فعلى صعيد المناطق، عززت محافظة الأحمدي معدلها السابق بـ 36 نقطة ومبارك الكبير 22 نقطة والفروانية 3 نقاط.
بينما استقر معدل العاصمة على ما كان عليه سابقا. ومن جهة معاكسة انخفض معدل الجهراء 34 نقطة وحولي 8 نقاط.
اللافت أن ثقة المستطلعين رفعت معدل مؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا 14 نقطة، بينما على مستوى التوقعات المتعلقة بالدخل الفردي لم تضف سوى نقطة واحدة خلال شهر.
تراجع فرص العمل
استقر معدل مؤشر فرص العمل المتوفرة في السوق حاليا عند 127 نقطة، متراجعا نقطة واحدة مقارنة بشهر أبريل المنصرم، ومتخلفا 20 نقطة خلال سنة.
هذه الأرقام تكشف مدى ثبات الطلب على القوى العاملة وحجم الوظائف المتوفرة في السوق حاليا، كما تؤكد على استقرار سوق العمل على نفس الوتيرة منذ بضعة أشهر.
العوامل الإيجابية في المجالين المالي والاقتصادي المتمثلة بمتابعة تنفيذ وتخطيط المشاريع في القطاع العام عامة وفي مجال القطاع النفطي والبنى التحتية بشكل محدد، بالإضافة الى انتعاش القطاع العقاري بما فيه السكني ولو بنسب متغيرة، بالإضافة إلى بعض ميادين القطاع الخاص التي تنمو بنسب مقبولة، تواجه ضغوطات جمة ناتجة من الأوضاع الدولية وبؤر الصدام العسكري والسياسي والاقتصادي، فضلا عن صعوبات سلاسل التوريد وتداعيات العقوبات المتبادلة.
ضمن هذه اللوحة يمكن اعتبار استقرار سوق العمل في الكويت وقدرته على الحفاظ على أحجام ووتيرة حركته انجازا مهما.
ضمن هذه الظروف تتباين آراء المستطلعين فالبعض عبر بإيجابية عن فرص العمل والبعض الآخر أبدى تحفظا.
مع الإشارة إلى ان المحافظات الستة انقسمت بين نصفين حيث تراجعت المعدلات السابقة في العاصمة 40 نقطة والاحمدي 22 نقطة ومبارك الكبير 14 نقطة، بينما في الجهة الأخرى من البحث تعززت باقي المعدلات في حولي 19 نقطة والفروانية والجهراء 11 نقطة.
انخفاض مستوى الشراء
يبدو أن خلال شهر مايو من كل سنة تنخفض مستويات الشراء، لعل ذلك يرجع الى الاستعداد لنشاطات فصل الصيف وما تفرضه من نفقات السفر و/أو نفقات النشاطات المتنوعة داخل الكويت، لذا توقف معدل شراء المنتجات المعمرة في شهر مايو المنصرم عند 92 نقطة متراجعا 8 نقاط عن رصيده الشهري ومتساويا بمعدل شهر مايو من العام 2022.
مع لفت النظر إلى أن نفقات سفر الكويتيين في العام 2022 بلغ حوالي 4 مليارات دولار.
من جهة أخرى بادر البنك المركزي الكويتي بتمديد قروض المتقاعدين السكنية لمدة سبعة اشهر من اجل رفع مستوى الاستهلاك وتأمين حاجات المواطنين المتقاعدين وتشجيعهم على الإقبال على الشراء.
اللافت انخفاض معدل مؤشر الشراء بين الشباب 18-35 سنة بنسبة 24 نقطة، كما تقلص معدل الذكور 17 نقطة بينما ارتفع معدل الإناث 4 نقاط.
اما على صعيد المناطق تراجعت الجهراء 58 نقطة ومحافظة مبارك الكبير 29 نقطة والعاصمة 20 نقطة والفروانية 15 نقطة، بينما من جهة أخرى، رفعت مستوى معدلها محافظة حولي 35 نقطة.
معطيات البحث تشير إلى انخفاض حجم الشراء من جهة وبروز تباين بين مكونات الدراسة كأمر طبيعي له تفسيره ومبرراته من جهة أخرى.