من المواضيع التي شغلت الساحة مؤخرا وأصبحت مثارا للجدل في المجتمع ما يحدث أحيانا من ممارسات تنطوي على تعد على الثوابت والمقدسات بالاستهزاء أو التطاول، بدعوى حرية التعبير والرأي.
ومؤسف أن تشهد الساحة داخل المجتمع المسلم انقساما وتباينا في الحكم على هذه التصرفات والأسلوب الصحيح للتعامل معها، لأن هذه القضية من قضايا الدين والعقيدة الأساسية التي لم يكن ليخفى حكمها على مسلم صحيح الإسلام.
هذا ولاتزال ردود الفعل المستنكرة والغاضبة تتوالى إزاء حرق نسخ من المصحف في السويد، لاسيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وثمة جدل وسخط لا يهدآن عبر المنصات الإلكترونية في العالم الإسلامي، تقابلهما محاولات للتهدئة من قبل صفحات سويدية ناطقة بالعربية وبلغات أخرى.
فقد تعالت دعوات لمقاطعة المنتجات السويدية عبر وسوم عديدة أبرزها: «غضبة مليارية على حرق المصحف»، و«مقاطعة المنتجات السويدية»، و«طرد السفير السويدي».
ومن الطبيعي ان يكون للمقدسات الدينية أهمية بالغة لدى الأفراد والمجتمعات والأمم، ويشكل الاعتداء عليها خطرا كبيرا على الأمن والسلم العالميين، وسنتناول جريمة الاعتداء عليها من منظور القانون الدولي، فللديانة الإسلامية أماكنها المقدسة، كما للديانات السماوية وغير السماوية أماكنها.
وتخضع الأماكن الدينية وقت السلم للقواعد العامة المنصوص عليها في الدساتير الداخلية. وعادة ما تطلق الدولة حرية ممارسة العقيدة في تلك الأماكن، وتستمد الدساتير هذه الحماية من الإعلانات والمواثيق الدولية. فقد نصت المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن «لكل شخص الحق في حرية التفكير والدين ويشمل هذا الحق حرية تغيير الديانة أو العقيدة، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة».
كما نصت المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على انه «لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والديانة، ويشمل هذا الحق حريته في الانتماء إلى احد الأديان أو العقائد باختياره، وفي أن يعبر منفردا أو مع الآخرين بشكل علني أو غير علني، عن ديانته أو عقيدته سواء أكان ذلك عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم».
وقد انطوت ديباجة اتفاقية لاهاي لعام 1954 على بيان لأهمية الممتلكات الثقافية وتعرضها بشكل متزايد للتخريب والدمار خلال النزاعات المسلحة، وذلك بسبب تقدم وسائل القتال وأساليبه. كما أضافت أن أي ضرر يصيب الممتلكات الثقافية لشعب من الشعوب يصيب في نفس الوقت التراث الثقافي للبشرية بأكملها. وهكذا أصبح من المسلم به أن دراسة القانون الدولي لا تنفصل عن الظواهر الأخرى ومنها الدينية لأن هذه الظواهر في مختلف مجالاتها تترك بصماتها على أعتاب العلاقات الدولية. ومما تقدم يمكن القول إن القواعد القانونية الدولية قد تضمنت حماية للاماكن والمقدسات الدينية بصفة عامة وقت السلم أو أثناء النزاعات الدولية أو خلال فترات الاحتلال الحربي.
أخيرا فإذا كنا نملك توجيه النصح الى الساسة والنخب فإننا نقول لهم انه من الخطأ أن ننتظر من الغرب تجريم الاعتداء على المقدسات الدينية بناء على دوافع دينية كما نؤمن نحن ونعتقد، بل ينبغي أن نربط هذه الدوافع بحقوق الإنسان المؤمن ذاته، وبتجريم هذا الشكل من أشكال الحض على الكراهية والتمييز، مع التوضيح بأنه سبب يلحق الأذى بالمصالح العامة بين المجتمعات. وعلينا الاستفادة من بعض القوانين الدولية التي تستخدم دائما على المستوى الدولي وأن ينجح تيار إسلامي عام في استصدار قوانين عالمية ومحلية غربية تجرم الاعتداء على المقدسات الإسلامية.