الأصدقاء هم الأوطان الصغيرة التي تحمل الكثير من المعاني النبيلة، والصحبة كالمظلة كلما اشتد المطر ازدادت الحاجة إليها. يقول الروائي والأديب العربي نجيب محفوظ «الأصدقاء وطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة»، ولكن صداقة العمل تظهر المعدن الحقيقي للرجال.
بالأمس كان أشد الأخبار تكديرا، وأعظمها إيلاما وتأثيرا هو فقد زميل لنا اللواء الركن متقاعد عزيز سالم الذايدي «بومشاري» مدير عمليات هيئة الإمداد والتموين ونائب رئيس نادي الجهراء الرياضي السابق، الذي اجتمعت فيه الخصال الحميدة والصفات الفريدة، فكان أجزل عطاء وأرق قلبا وأندى كفا، من أي الأقطار أتيته قابلك بكرم فعال.
كان، رحمه الله، مشهودا له بالخلق الرفيع والأدب الجم، «إذا حضر معدود وإذا غاب مفقود»، وقد تشرفت بالعمل معه منذ عام 1991، فجمع بين الحذاقة القيادية الفائقة، والعبقرية العسكرية السامية، والمهارة العربية الرائعة، فكانت تسند له المهام، منفذا لها بفكر عسكري حكيم.
تقلد اللواء الذايدي العديد من المناصب المشرفة، حيث تسلم آمرا لكتيبة الدبابات/ 154، ومساعدا لآمر لواء مبارك المدرع/ 15، ومساعدا لمدير عمليات هيئة الإمداد والتموين، ومدير عمليات هيئة الإمداد والتموين، فجمع، رحمه الله، بين المستوى «الإستراتيجي والتكتيكي والتعبوي»، فظهرت براعته القيادية ومهارته الشخصية، ونادرا ما تتحقق في رجل.
كان، رحمه الله، شديد الإدراك في تحقيق الإنجازات، فالإنجاز العظيم يولد من التضحيات العظيمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر مشاركته في قوة السلام الكويتية الرابعة في الصومال عام 1993، وبالانفتاح على الحدود الشمالية في أزمتي 1994 و2003، وآمرا للقوة الضاربة التي تعتبر التدخل السريع للقوة البرية.
يقول عنه زملاؤه: كانت شخصيته قوية لا تنكسر، ومتصفا بأحسن الصفات وأجملها، فهو خير معين وخير صاحب، وبصماته ملموسة وواضحة في جميع الأحداث المتغيرة، خاصة في أزمة كورونا من «دعم لوجستي وفني وإداري» لمؤسسات الدولة، وإنشاء 4 محاجر وتجهيزها بفترة قياسية وبإدارة إستراتيجية ناجحة ورائعة، فقيادته تصنع المعجزات، وهي فن من فنون العطاء بلا حدود.
إنها قصة نجاح طويلة، وراءها رؤية فكر وخطوات مدروسة، استلهمها «رحمه الله» من تجارب ميدانية ودروس مستفادة، والآن نفتقد صديقا كريما شهما قياديا من أعز الرجال، تتلمذ على يديه صغار الرتب وكبارها، وكانت آخر كلمة سمعتها منه في شهر أبريل 2022 «الله كريم إن شاء الله» قالها عندما أجبر على التقاعد.
فهذه الدنيا نرى من عجائبها صورا، ومن حوادثها عبرا، والفائز من قوي بالله يقينه، وعلم أن كل شيء بقدر، ومهما تحدثنا عن «بومشاري» لا نوفيه حقه، فنسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته.. ودمتم ودام الوطن.
[email protected]