نحن في أيام أعقبت الحج، فمن وفقه الله وأعانه على أداء الفريضة فليحمد الله عز وجل وليختم حياته بالصالحات، فمن سلم له حجة فقد سلم له عمره، ومن كتب له الله حج النافلة بعد الفريضة فليحافظ على أجره ولا يبطله بالسيئات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «الإسلام يهدم ما كان قبله، والحج يهدم ما كان قبله» (رواه مسلم)، أي يكفر الذنوب، أما من لم يقدّر له الله الحج هذا العام فإن العشر من ذي الحجة قد أعطته من الخير الكثير، فليدم على الاستقامة، فإن أحسن أحوال العباد هي دوام الاستقامة، وأعظم الكرامة هي الاستقامة على طاعة الله، عن سفيان الثوري قال: قلت يا رسول الله، قل لي قولا لا أسأل عنه بعدك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم، اخرجه احمد والنسائي، ان هذه الجملة المختصرة قد حوت الدين كله، فيها الفلاح والسعادة، والإيمان بالله والاستقامة على أمر والبعد عما نهي عنه، وفي الآية (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ـ الأحقاف: 13)، وعد الله من لزم استقامته ألا يخاف ولا يحزن في الدنيا والآخرة، فليحذر المسلم من اتباع الهوى ومقاومة المنكرات بعد ما كان من السداد والطاعة، فقد يؤدي ذلك الى ان يغير الله أحوال المرء، وقد تنتكس عليه أموره مصداقا لقول الحق سبحانه (إن الـله لا يغير ما بقوم حتى يغروا ما بأنفسهم ـ الرعد: 11)، وقوله (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ـ الصف: 5)، فكم من أناس انقلبت عليهم الدنيا وتعسرت أمورهم بسبب تبديلهم لأحوالهم من بعد الطاعات، فمن تحول عن الطاعة وركن إلى التقصير والتهاون بدّل الله حاله من الخير واليسر والتوفيق إلى العسر والتشتيت.
قليل من العمل خير من الترك
إن من الفضائل العظيمة، بعد المداومة على الاستقامة على الطاعات، اتباع السيئات الحسنات فتمحوها، يقول المولى عز وجل (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ـ هود: 114)، والسؤال: ما الحل إذا ما وقع الإنسان في المعصية بعد فترة من دوام الاستقامة على الطاعة؟ الحل جاء مباشرا عبر الامتثال للإرشاد النبوي الكريم «أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» (رواه الترمذي).
وليعلم كل مسلم أن أسوأ أحوال الإنسان أن يتبع الحسنات بالسيئات التي قد تضيعها وتبطلها، ثم بعد ذلك يتبع السيئات بالسيئات، لأن المعاصي المتتالية قد تنقص ثواب الصالحات وربما تبطل العمل في نهاية المطاف، يقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ـ محمد: 33)، فالمسلم الذي منَّ الله عليه بعشر ذي الحجة أو رزقه حج الفريضة أو النافلة ووفقه فيها لأداء الطاعات من صوم وإنفاق وذكر وقربات، نال فيها الكثير من الحسنات وضاعف الله له من الأجور، لا ينبغي له أن تفتر عزيمته بعد كل هذا الجهد وان يفرط في كل ذلك باقتراف المعاصي والتهاون في حق الله فيما بقي له من عمر، فمن فتح الله له بابا للخير يجب عليه ان يلزمه، بل ويزيد عليه أبوابا أخرى، فإن الحسنة تجر الحسنة، والسيئة تجر السيئة، فاحذروا من ترك الطاعة وداوموا على الاستقامة كــما أمر الله رسوله والمؤمنين في الكتاب (فاستـــقم كما أمرت ومن تاب معك ـ هود: 112).