من يقف عند مشهد الحياة بعض الوقت ينتابه شعور بالحزن والألم والحسرة، جل الوقت!، فالمشهد أصبح مزعجا للغاية، فهذا الكوكب الصغير السابح في هذا الفضاء الشاسع يعاني من مشاهد مؤلمة لا يتصورها العقل، وينفطر معها القلب!، ومن يتفكر جيدا سيلمس هذا جيدا!
أيها الكرام، ألا ترون كما أرى في هذا الكوكب الصغير كيف يريد الإنسان أن يمزق الإنسان، ويريد نهش لحمه وعظمه وكل ما فيه، ويريد التفرد بكل المنافع لنفسه ويحرم أخيه الإنسان؟
ألا ترون كما أرى كيف يسيل اللون الأحمر كالأنهار، ويسير بين سطوح الطرقات، وفوق الجلود؟
ألا تسمعون حديث الآلات المدمر، وضجيجها المدوي؟ وكيف يصم الآذان والأذهان والأفهام والأعناق؟
ألا تبصرون معي النفوس القابعة بالعراء وأعدادها المهولة التي يصعب حصرها؟
ألا ترون الصغار الذين حرموا من كل شيء؟ وكيف يعانون من الحرمان والضياع والتنكيل والأمراض؟
وأيضا وأنتم تتفكرون وتتمعنون مشهد هذا الكوكب الصغير، هل لمستم معي كيف ينتشر الحسد والغل والبغض والأنانية في بقاعنا المختلفة، وتنتشر صور المساوئ والحسرات؟ هل شعرتم بهذا كله؟
لنتساءل: من وراء كل هذا؟.. إنه الإنسان الذي نضبت من قلبه «الرحمة».
أيها الكرام، إن هذا المشهد المؤلم الذي ذكرنا بعضا منه سببه الرئيس هو الإنسان، وليس أي إنسان، بل الإنسان الذي يخلو قلبه من «الرحمة»، فعندما تغيب الرحمة من القلوب يصبح الإنسان وحشا كاسرا لا يردعه أي شيء، وينتهك كل الحدود والقيود والثوابت والمبادئ، ويتحول المجتمع إلى ضلال شديد، ومرتم في أحضان الشيطان!
ويأسف القلب على هذه الحال الذي وصل له الانسان في حق أخيه الإنسان!
ومن هنا أنادي، وأنا أحد أفراد هذا الكوكب الصغير، أنادي كل البشر، وأنصح كلا منا بأن يقوم بدوره في محيطه، سواء أكان محيطا صغيرا أم كبيرا، أنادي وأنصح بترسيخ «الرحمة» في القلوب، فعلى كل واحد أن يقوم بدوره مع من هم حوله، ويرفع شعار «الرحمة» ويعمل ويبذل الجهد من أجل رفع هذا الشعار واتساع رقعته، حتى لا تتفرد بنا «القسوة» وتتفاقم بيننا «الوحشية البشرية»، فيزداد الدمار دمارا، والهلاك هلاكا!
نعم كلنا نؤمن بأن الخير موجود في كل زمان ولن يموت أبدا، وأن الرحمة ستبقى خالدة في النفوس والحياة حتى تقوم الساعة، ولكن تلك الرحمة تحتاج إلى تحفيز مستمر حتى لا تتآكل في بعض النفوس، وتتلاشى من بعض القلوب، وحينئذ يندم الجميع.
قبل الختام: أتساءل بألم: متى يرحم الإنسان الإنسان ويكون مشهد الحياة ناطقا بصور الرحمة والعطف والتواد؟ وأتساءل وأنا قلبي كله أمل بالله سبحانه، متضرعا لله تعالى راجيا: اللهم يا رحمن يا رحيم اغرس الرحمة في قلوبنا جميعا.
قال تعالى: (والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
وقال ﷺ: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».
HaniAlnbhan@