مع استمرار غلاء المعيشة وأسعار جميع المواد الغذائية وانهيار قيمة الليرة مقابل دخل محدود لا يقوى على مجابهة مستلزمات أيام معدودات من الشهر، استحضرت عائلات كثيرة طريقة بائدة في الدفع كانت تستعمل في الأرياف وأيام الأزمات وهي «المقايضة» التي كانت سائدة في السنوات الغابرة، حيث يلجأ الكثير من السوريين إلى أصحاب المحال ليقايضونهم بين ما يزرعون في أرضهم مقابل الحصول على ما هم بحاجة الى شرائه.
وتقوم إحدى السيدات في ريف طرطوس باستبدال البيض، الذي تجمعه معظم الأيام من «قن» الدجاج، بالخضار والمواد الغذائية التي تحتاجها، فالراتب التقاعدي لزوجها لا يكفي سوى لأسبوع واحد فقط، بحسب موقع «أثر».
وبالنسبة لهذه السيدة، تحل المقايضة مشكلة تدبر المال اللازم لشراء مستلزمات الطبخة، مشيرة إلى أنها لا تقايض على البيض فقط، وإنما تزرع في البستان الصغير المحاذي لمنزلها الفاصولياء والباذنجان، حيث تقايض هذين النوعين بأنواع أخرى من الخضار، أو السكر.
سيدة أخرى قالت إنها تجني البامياء التي تزرعها بمحاذاة منزلها، وتقايضها بالبندورة أو الفاصولياء أو أي نوع آخر من الخضار لتدبر طبخة جديدة، وتضيف: «لا يمكن أن أطبخ البامياء كل يوم.. زوجي يعمل في الدهان، وما يتقاضاه لا يكفي لحاجات المنزل التي باتت تكاليفها باهظة جدا، لذلك لجأت إلى زراعة الأرض أمام المنزل لمساعدة زوجي في مصاريف المنزل من خلال الاستفادة من منتجات الأرض من جهة، والمقايضة بأنواع جديدة من الخضار أو مستلزمات ضرورية لمواد أساسية كالرز والسكر والزيت والشاي من جهة أخرى».
ويشير عجوز متقاعد إلى أن راتبه التقاعدي لا يكفيه طعام وشراب «من قريبو» له ولزوجته بعد أن تزوج أولاده، مبينا أنه لولا البيض الذي تنتجه الدجاجات التي يقوم بتربيتها لما كان هناك فطور دائم له ولزوجته، ولما استطاع أن يقايض البقالية الموجودة في القرية على مستلزمات أساسية.
ويقول: غلاء المعيشة أعادنا رغما عنا لسنوات ماضية قديمة كنا نسمع عنها من آبائنا وأجدادنا كيف كانوا يقايضون القمح وما ينتجون بأشياء كانوا بحاجتها، وكنا نستغرب كيف كانوا يعيشون في ظل هذه الأوضاع. وتابع: الغلاء وارتفاع الأسعار غير المسبوق سيدفعانا للرجوع سنين طويلة للوراء والاقتباس من أجدادنا أساليبهم في التحايل على الحياة المعيشية الصعبة التي كانت سائدة آنذاك.
ويعود نظام المقايضة إلى 6000 سنة قبل الميلاد، ويعد أقدم طريقة للتجارة، حيث كان الأهالي يتاجرون في المواد التي ينتجونها مقابل الحصول على مواد أخرى من دون استخدام المال، بشرط أن تكون المواد المتبادلة ذات قيمة للأطراف التي تقوم بالمقايضة.