سكن العزاب والمدن المنسية ما زالت الأزمة الحاضرة الغائبة، أزمة معمرة منذ عشرات السنين لم تجد منفذا أو طريقا إلى الحل.
في الثمانينيات من القرن الماضي كتبت مقالا بهذا الشأن، فكنت من جملة ناقدين وكاتبين ومراقبين ممن نادى بضرورة حل هذه القضية وشطبها من قائمة مشاكلنا المجتمعية، وها قد مرت السنوات، وقطعنا خمس القرن الواحد والعشرين دون حل.
ورغم اعتيادنا لذلك، إلا أننا كنا نفرح بصدور قرارات بهذا الخصوص، ونصفق لها، خصوصا إذا ما أنزلت العقوبات بحق المخالفين، ثم شهدنا كيف تمت عملية إخلاء منطقة خيطان الجديدة من العزاب بعد هدم المنازل القديمة، فما كان من هذا الزحف الجارف من هؤلاء الكادحين إلا أن انتقلوا إلى خيطان القديمة، فشهدت نزوح الأهالي منها، فالقرار بالإخلاء صدر، ومع ذلك تم رصد مخالفات بأعداد مهولة.
العزاب ليسوا أرقاما، بل هم بشر مثلنا يستحقون حياة كريمة، والمشكلة ليست في العزاب، فهم ضحايا، ومن حقهم أن يعيشوا كالبشر في أي بلد يستقدمهم للعمل.
تطبيق القرارات من دون أي حلول عملية للمشكلة سيزيد الأمر تعقيدا، وسيريح فئة من الناس لتنتقل الكرة إلى ملاعب أخرى، ليعيش المواطنون في دوامة لا تنتهي، والحلول موجودة، باختصار هي المدن العمالية، فالكويت تحتضن مليونين ومائتي ألف عازب من جنسيات مختلفة.
إصدار القوانين لمنع إسكان العزاب، أو ملاحقتهم، ليس حلا، ما لم يتم تشييد مدن سكنية متكاملة لهم، تقوم على إنشائها شركات B.o.t، لتأهيل المدن بمواقف السيارات، ومخفر للشرطة، ومحطة للمواصلات، ومستشفى ومستوصف، وجمعية، ومبنى للإطفاء، وبعض المطاعم والمقاهي والملاهي والصيدليات وفروع البنوك، ويكون دخول العمالة عن طريق هوية وإقامة صالحة للسكن.
الدولة ليست وحدها في الميدان، فهناك مساكن خاصة لعمالة المصانع وذلك في نفس مبناها بالطابق العلوي مع توفير السلامة اللازمة لهم وشروط الأمان، كما قامت شركة نفط الكويت في الأحمدي في عام 1961 بتوفير مساكن للعزاب العاملين فيها، ولكن تبقى مشكلة الغالبية العظمى من العزاب التي لن تحل مرحليا إلا بقرار حكومي عاجل بتكليف إحدى الشركات الصينية ببناء مدينة عزاب خلال 6 أشهر، فالصين تبني ناطحات سحاب خلال شهر واحد، ولكن الموضوع يحتاج الى قرار فقط!
نشكر الجهات المعنية على تخصيص مواقع لهذه المدن، ولكن كم سنة سننتظر؟، فالمشكلة تتفاقم عاما بعد عام، في حين تمكنت الإمارات بفضل استثمار 15 مليار درهم، من بناء 40 مدينة عمالية تستقطب نحو 460 ألف عامل يعملون في 1900 شركة، ولحين ظهور المدن على أرض الواقع لا بد من توفير منطقة مؤقتة بصفة عاجلة لسكن العزاب، وإلزام الشركات بإيواء عمالتها كحل سريع، في إطار المسؤولية المشتركة، وتخصيص 10% من مساحتها الإجمالية لبناء سكن لعملها.
كلمة أخيرة: ما نراه أن القرارات تصدر لكن التنفيذ يسير ببطء شديد للغاية، فالقرار صدر في 1992 وحتى الآن لم يطبق، والمدن خصصت ولم تنفذ، وكأن هناك من يريد أن نعيش في دوامة وننشغل بهذه المسائل، الأمر بيد صناع القرار، وهم المسؤولون عن خدمة المواطن وتوفير الأمان الأسري والمجتمعي، ونحن نضع الأمر في عهدتهم.
[email protected]